بسم الله الرحمن الرحيم
إخواني الأعزاء في منتدى مسومس،
قد يبدو لكم عنوان الموضوع غريباً وخارجاً عن المألوف، ولكنكم سرعان ما ستفهمون السبب. كنت أود طرح هذا الموضوع منذ فترة، ولم أتمكن من ذلك لأسباب مختلفة. ولكن أرى الآن أنه لظروف المنتدى الحالية، لا وقت أنسب من "الآن" لطرح هذا الموضوع.
لا شك أيها القارئ العزيز أنك إذا وصلت في قراءتك إلى هذا المكان، فقد بدأ دماغك يغلي :busted: وبدأت تتساءل متى ستنتهي هذه المقدمة المملة المليئة بالألغاز. لذا سأقفز إلى الموضوع مباشرة، فأقول إن موضوعنا اليوم، والذي أطلقتُ عليه اسم "مصارعة الرؤوس"، يُعرف باسم آخر لدى جميع الناس، ألا وهو "الانتقاد".
"لقاء .. فحوار .. فانتقاد .. فاعتراض .. فتراشق بالكلمات .. فتقاذف بالكراسي و..."، هذا مسلسل يومي، اختص العرب بالتميز فيه في زمن لم يعد لهم مكان في قائمة التميز. قد حطمنا كل الأرقام القياسية التي يمكن للإنسان تحصيلها في عدد الشجارات . شجارات .. شجارات .. شجارات !! (ليتها كانت أشجاراً على الأقل). شجارات لسبب أو من دون سبب، لأسباب قوية أو تافهة. وإذا نظرنا إلى السبب، وجدنا أن الطرف البادئ كان سليم النية في الأصل، ولكن سوء اختياره للكلمات أو عدم مراعاته للآخر، حوّل الحوار .. إلى معركة.
فلنعطِ مثالاً لنشرح كيف تحدث هذه الأمور. سأروي لكم قصة حصلت في مكان ما من هذا المنتدى، وسأغير أسماء الشخصيات وبعض تفاصيل القصة (وذلك لحماية الأبرياء :wub2: ). ما أود قوله، هو أن هذه القصة هي عينة من المشكلة التي نطرحها، والتي نريد اقتراح حل لها في نهاية هذا الموضوع.
تبدأ القصة بشاب طموح اسمه عمر. عمر هذا له من الصفات ما يميزه عن غيره، ومن بينها المثابرة والنشاط. في إحدى المرات، قام عمر - ومعه عدد من زملائه - ببدء مشروع لترجمة بعض المنشورات الدينية الإسلامية إلى اللغة الإنجليزية. كانت مبادرة طيبة يقوم بها مجموعة من الشباب مفعمون بالحماسة والأمل، لعمل لا يمكن وصفه بالسهل أبداً. جرى العمل على قدم وساق، حتى جاء اليوم الي تلقى فيه عمر رسالة مضمونها كالآتي:
"أخي الكريم،
لقد اطلعت على ترجمتكم وترجمة فريقكم للمشروع (...)، وقد وجدت فيه أخطاء إملائية بالغة الخطورة، بعضها يؤدي بصاحبه إلى الكفر والعياذ بالله، فكيف يُعقل أن تكتبوا (كذا وكذا) في ترجمة (كيت وكيت) ... لذا أنصحكم أن تستغفروا الله وتتوقفوا عن هذا العمل، وأن تتركوا هذا الأمر لأهل الخبرة.
أخوك (س)"
.. اقطع ..
قبل نكمل القصة إخواني، أحب أن أخبركم أن نموذج الرسالة السابقة قد عُدّل قليلاً ليصبح "ألطف" ألفاظاً وأقل حدة. المهم، وبغض النظر عن مدى صحة زعم مرسل الرسالة فيما يتعلق بانتقاداته، دعونا نرى ما كانت ردة فعل عمر.
.. ابدأ ..
غيوم سوداء وزرقاء وبنفسجية تحيط بعمر من كل جانب. شعر أنه يسبح في عالم يمتزج فيه المستحيل باللا معقول. أسابيع طويلة وشاقة بذلها هو ورفاقه في سبيل إعداد هذا العمل على النحو الذي يجب أن يكون عليه، ولم يدخروا وسعاً في فعل ذلك. ثم يأتي ذلك "الناصح الطيب" (س) ليهدم كل ما فعلوا بكلمة واحدة: الكفر. اقترب عمر من أحد الجدران وأوشك أن يضرب رأسه فيه (ولكنه لحسن الحظ أشفق على الجدار). تصارعت في رأسه الأفكار والكلمات، وتلاشى كل ما كان لديه من طاقة للمشروع. وفي النهاية، صار المشروع نسياً منسياً.
-- اقطع --
إخواني الكرام، بعد هذه القصة (التي ربما أصابكم النعاس بسبب أسلوبي في سردها)، نحن لا شك نعلم أن معظم الأشخاص الذي يقومون بقول الانتقادات، هدفهم سليم ونيتهم صافية. كل شخص منا، لا بد وأن ينتقد شيئاً ما إذا لم يعجبه (طبعاً، هناك أشخاص يشذون عن هذه القاعدة، فطوبى لهم). لا نستطيع منع الناس من تقديم الانتقادات، ولكننا على الأقل نستطيع تقديم الإرشادات التالية لجعل الانتقاد بنّاء ولطيفاً وأكثر إيجابية، وقبل كل شيء، ذا تأثير "جيد" على الآخرين:
- أولاً، عندما تريد انتقاد شخص أو شيء أو تصرف، فقبل أن تبدأ لائحتك الطويلة من الانتقادات، ابحث عن النقاط الإيجابية، ابحث عن حسنات الموضوع. هذا أمر يتعلمه كل رجال الأعمال في العالم، وهو أنه عندما يريدون الحكم على أمر ما، يبدؤون أولاً بذكر الحسنات، ثم ينتقلون إلى السيئات. هذا يجعل الانتقاد أقل حدة، ويزيد من فرصة تقبل الطرف الآخر له.
- ثانياً، تجنب اختيار الألفاظ الشديدة والقاسية أو الجارحة في كلامك. أنت تريد تقديم نصيحة في الأصل، أليس كذلك؟ إذاً لا داعي لأن تبدأ معركة لأنك أسأت اختيار ألفاظك. عندما تكتب موضوعاً في المنتدى، اضغط على زر معاينة الموضوع قبل إرساله، وأعد قراءته ثانية. اعتبر نفسك قارئاً غريباً (أو الشخص الذي ترسل الموضوع إليه)، وكن محايداً، ابحث عن كل الألفاظ والعبارات التي قد تجعل الطرف الآخر عدوانياً. وفي حال لم يطاوعك قلبك على حذف هذه الألفاظ، أرجو أن تقوم بقصها ولصقها في رسالة ترسلها وتوجهها إليّ، واطمئن أنا لن أغضب منك ولن أحقد عليك بسبب ذلك.
- ثالثاً، حاول دائماً أن تفهم سبب تبني الطرف الآخر للرأي المخالف لرأيك. قد تكون دوافعك شريفة وغرضك سليماً وحماستك شديدة للتبليغ عن رأيك الذي تعتبره يطال مسألة حساسة جداً (ونحن لا نشك في ذلك)، ولكن حاول أن تفهم السبب الذي دفعه إلى قول ذلك الرأي. حاول أن تضع نفسك مكانه وتفكر بعقله. تكمن المشكلة عادة أن كل شخص يظن أن رأيه - ورأيه فقط - هو الرأي الصحيح. قد يكون محقاً في تفكيره، ولكن من المهم أن نفهم الرأي الآخر ونتقبل أدلته إن كانت تستحق ذلك، وإن كانت أدلته واهية أو غير مقبولة لدينا فعلينا أن نقود الحوار بأسلوب علمي لطيف لا نستهدف فيه ذات الشخص المعارض، بل نحاول بهدوء وروية أن نجعله يرى الأمر من منظورنا كما حاولنا أن نرى الأمر من منظوره.
- رابعاً، في نهاية الحوار، قد لا يصل المتحاورون إلى نتيجة توافق. ربما قد يتابعون الحوار في وقت لاحق، ولكن المهم - وهو مهم جداً - أن اختلاف الرأي "يجب" - ضعوا 5 خطوط حمراء تحت كلمة "يجب" - أن لا يفسد روح الأخوة والصداقة بين المتحاورين. مهما قال خصمك ومهما فعل، فتذكر أنه ما يزال أخاك المسلم، وأنه لا يجوز لك بأي حق أن تطعن فيه أو تحتقره أو تقلل من قيمته أمام الآخرين. إن الرأي الخطأ مع حسن الأدب أفضل بكثير من الرأي الصواب مع سوء الأدب. تذكر ذلك جيداً وضعه دائماً أمام عينيك.
- خامساً، لا يوجد خامساً. أظن هذا يكفي، فقد أكثرت من الإثقال عليكم. آمل أن تكون هذه الكلمات دافعاً للكثير - وأنا أولهم - لتحسين أخلاقنا وتوطيد معالم الإخوة وتقبل الآخرين بيننا وبين أصدقائنا وأقربائنا. وأختم كلامي بقول الرسول عليه الصلاة والسلام: "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، وقوله:"أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه".
والسلام
etective2:
المفضلات