يقول سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز حفظه الله
( وصيّتي لكل مسلم تقوى الله سبحانه وتعالى في جميع الأحوال، وأن يحفظ لسانه عن جميع الكلام، إلا كلاماً ظهرت فيه المصلحة؛ لأنه قد ينْجَرّ الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، وذلك كثير بين الناس، قال الله سبحانه وتعالى: { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ق:18]، وقال تعالى: { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } [الإسراء:36]، وقال في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه: « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت»).
وهنا أشياء قد يجرها الكلام، ينبغي التنبيه عليها والتحذير منها لكونها من الكبائر التي توجب غضب الله وأليم عقابه، وقد فشت في بعض المجتمعات، ومن هذه الأشياء:
1- الغيبة: وهي « ذكرك أخاك بما يكره» ولو بلغه ذلك، سواء ذكرته بنقص في بدنه أو نسبه أو خُلقه أو فعله أو قوله أو في دينه أو دنياه، بل وحتى في ثوبه وداره ودابّته، فعن أبي هريرة أن رسول الله قال: « أتدرون ما الغيبة؟ » قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: « ذكرك أخاك بما يكره » قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: « إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهتّه ». رواه مسلم.
والغيبة محرمة لأي سبب من الأسباب، سواء كانت لشفاء غيظ أو مجاملة للجلساء ومساعدتهم على الكلام، أو لإرادة التصنّع أو الحسد أو اللعب أو الهزل وتمشية الوقت، فيذكر عيوب غيره بما يُضحك. وقد نهى الله سبحانه وتعالى عنها وحذر منها عباده في قوله عز وجل:{ يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اجْتَنِبُواْ كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُواْ وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ } [الحجرات:12].
وفي الحديث عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه ». رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع: « إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا هل بلّغت ». رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن أربا الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق ». الفتح الربّاني،11/5430.
والأحاديث الثابتة عن رسول الله في تحريم الغيبة وذمّها والتحذير منها كثيرة جداً.
2- ويقول فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
( أيها المسلمون لقد شاع بين كثير من المسلمين داءان عظيمان، لكن السلامة منهم يسيرة على من يسّرها الله عليه. أيها المسلمون فشا فينا داء الغيبة وداء النميمة.
أما الغيبة فهي ذكر الإنسان الغائب بما يكره، أن يذكر فيه من عمل أو صفة، فإن كثيراً من الناس صار همّه في المجالس أن يأكل لحم فلان وفلان، فلان فيه كذا وفيه كذا، ومع ذلك لو فتّشت لرأيته هو أكثر الناس عيباً، وأسوأهم خُلُقاً، وأضعفهم أمانة. وإن مثل هذا الرجل يكون مشؤوماً على نفسه ومشؤوماً على جلسائه، لأن جلساءه إذا لم ينكروا عليه صاروا شركاء له في الإثم وإن لم يقولوا شيئاً.
أيها المسلمون، لقد صوّر الله الإنسان الذي يغتاب إخوانه المسلمين بأبشع صورة مُثلت بمن يأكل لحم أخيه ميتاً، ويكفي قبحاً أن يجلس الإنسان على جيفة أخيه يقطع من لحمه ويأكل.
أيها المسلمون، إن الواجب عليكم إذا سمعتم من يغتاب إخوانه المسلمين أن تمنعوه وتذبّوا عن أعراض إخوانكم، ألستم لو رأيتم أحداً قائماً على جنازة رجل من المسلمين يأكل لحمه، ألستم تقومون عليه جميعاً وتنكرون عليه؟ إن الغيبة كذلك تماماً، كما قال الله تعالى:{ وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ } [الحجرات:12]، ولا يبعد أن يعاقب من يغتاب إخوانه يوم القيامة، فيقربون إليه بصورة أموات ويرغم على الأكل منهم، كما رُوِيَ في ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولقد مر النبي ليلة المعراج بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم فقال: « من هؤلاء يا جبريل؟ » قال: "هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم".
أيها المسلمون، إن كثيراً من أهل الغيبة إذا نُصحوا قالوا: نحن لا نكذب عليه هو يعمل كذا، ولقد قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن كان في أخي ما أقول، قال: « إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهتّه »، فبَيّن لأمته أن الغيبة أن تعيب أخاك بما فيه، أما إذا عبته بما ليس فيه فإن ذلك جامع لمفسدتين: البهتان والغيبة. ولقد نصّ الإمام أحمد بن حنبل وفقهاء مذهبه على أن الغيبة من كبائر الذنوب، فاحذر أيها المسلم منها، واشتغل بعيبك عن عيب غيرك، وفتش نفسك هل أنت سالم، فربما تعيب الناس وأنت أكثرهم عيباً. وإن كنت صادقاً في قولك مخلصاً في نصحك، فوجدت في أخيك عيباً فإن الواجب عليك أن تتصل به وتناصحه. هذا هو مقتضى الأخوة الإيمانية والطريقة الإسلامية
المفضلات