السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


تداعي أهل الكفران على أهل الإِسلام

روى أبو داود رحمه الله في سننه ؛ كتاب أول كتاب الملاحم , باب في تداعي الأمم على أهل الإِسلام برقم 4297 من حديث ثوبان - رضي الله عنه - قال : قال رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - :

" يوشِكُ الأممُ أن تدَاعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها " .

فقال قائل : ومن قِلّةٍ نحن يومئذٍ ؟

قال - صلى اللّه عليه وسلم - : " بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ ، ولكنَّكم غثاءٌ كغثاء السيل ، ولينـزعنَّ اللّه من صدور عدوكم المهابة منكم ، وليقذفنَّ اللّه في قلوبكم الوهن " .

فقال قائل : يا رسول اللّه ، وما الوهن ؟

قال - صلى اللّه عليه وسلم - : " حبُّ الدنيا , وكراهيةُ الموت " .

وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في ( سلسلة الأحاديث الصحيحة 2/647/958 ) .

دلّ الحديث على أن الرغبةَ في الدنيا , والإعراضَ عن الأُخرى , سببُ الهلاكِ , والدّمارِ , وتسلطِ الأعداء , وفشلِ الأعمار ..

يصفُ حال المسلمين اليوم ، حيث أحبوا الدنيا , وكرهوا الموت , وتركوا الجهاد ، فسَلَّط اللهُ عليهم الأمم الكافرة , تسومهم الذلَّ والهوان , وهذه عقوبة قدرية واقعة لا محالة بتاركي الجهاد ..

والأمم الكافرة اليوم أجلبت بخليها ورَجِلِها تهافت على ديار المسلمين .. تغيرُ على حرماتهم وأعراضهم .. وتستولي على خيرات بلادهم .. وتسومهم سوء العذاب ..

كل الأمم .. ومَن لَم يُظهر ذلك علناً , فقد انبطح سرّاً .. وتابع راعية الصليب ( أمريكا ) ويهود وغيرهما من دول الكفر والردة .. تداعوا جميعاً ...

التداعي : الاجتماع ودعاء البعض بعضاً , والمراد من الأمم فرق الكفر والضلالة .. يدعو بعضهم بعضاً لمقاتلتكم وكسر شوكتكم وسلب ما ملكتموه من الديار والأموال .. كما يدعو أكلة الطعام بعضهم بعضاً إلى قصعتها التي يتناولون منها بلا مانع ولا منازع , فيأكلونها عفواً صفواً .. كذلك يأخذون ما في أيديكم بلا تعب ينالهم أو ضرر يلحقهم أو بأس يمنعهم .. أي يقرب أن فرق الكفر وأمم الضلالة أن تداعى عليكم .. يدعو بعضهم بعضاً إلى الاجتماع لقتالكم وكسر شوكتكم ليغلبوا على ما ملكتموها من الديار ...

أمم تحارب دين هذه الأمة .. على حين تعاجز أهلُ الحلِّ والعقد من رجالها .. وهو ينظرون إلى قتل المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ..

هل رأيت أصدق منه صلى الله عليه وسلم حين وصف واقعنا , ونحن في كثرة , ولكنها غثاء .. لا يساوي شيئاً في الواقع .. حيث نزعت هيبة الخوف والرعب من قلوب الأمم الكافرة تجاه هذا الغثاء .. لأنه غثاء .. كغثاء السيل ..وهو ما يحمله السيل من زبد ووسخ .. شبههم به لقلة شجاعتهم ودناءة قدرهم .. خوف ورعب وجبن في أرجاء هذه الأمة , فأصابها الوهن .. الضعف والاستكانة .. ولينزعن .. ليخرجن المهابة .. الخوف والرعب .. وليقذفن .. ليرمين اللهُ الوهن .. الضعف .. وكأنه أراد بالوهن ما يوجبه .. فسره بحب الدنيا وكراهة الموت .. وما الوهن .. ما يوجبه وما سببه .. إنه حب الدنيا وكراهية الموت , وهما متلازمان , فكأنهما شيء واحد .. يدعوهم إلى إعطاء الدنية في الدين من العدو المبين ..

سبب الوهن .. وهو في القلب .. يعود إلى حب الدنيا .. من ولد وزوج ومسكن وتجارة وعشيرة .. فلا يتركها لجنات عرضها السموات والأرض .. أعدت لمن هجر ما يعود عليه بالذلة والوهن ..

سبب الوهن .. وهو في القلب .. كراهية الموت .. أي القتال .. قتال أعداء الله .. الذين تداعوا , وأجلبوا , وانطلقوا .. معلنين دون هيبة حربَهم على الله ودينه وأهله .. مَن كره قتالهم لخوفه أن يمسّه القرح أو تصيبه الجراح .. فلا بد أن يكون في هذا الغثاء .. يتعرض فيه للقتل في مهانة مع ما ينتظره يومَ القيامة من عذاب ..

قال الله جلَّ وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ إِلا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ( التوبة : 38 ، 39 ) .

وقال تعالى : ( وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا ) ( النساء : 75 ) .

أين أهلُ الحلِّ والعقد من هذه الأمة - وقد أصابهم الوهن - مما يجري بين ظهرانيهم .. من سفك دمٍ , وتشريدٍ , وهتكِ عرضٍ , وتدميرِ الديار , وهلاكِ الحرث النسل ؟‍!

عزاء هذه الأمة موعودُ الله تعالى في بقاء طائفة قائمة بأمر الله .. تقاتل مَن صال على دين الله أو اعتدى على أعراض المسلمين وحرماتهم .. لا يضرها مَن خذلها ولا مَن خالفها .. طائفة تصدع بالحق في زمن الباطل .. طائفة تنفق ما تملك - ولو كان قليلاً - لترفع هذا الدين وأهله ..

هذه الطائفة هي أمانُ الله لأهل الأرض قاطبة .. بقاؤها بقاء للإسلام وأهله .. وفناؤها فناء للإسلام وأهله .. قال الحافظ ابن حجر في الفتح : بشرى ببقاء الإسلام وأهله إلى يوم القيامة , لأن من لازم بقاء الجهاد بقاء المجاهدين . ا.هـ

قال صلى الله عليه وسلم : ( لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله ، قاهرين لعدوهم ، لا يضرهم من خالفهم ، حتى تأتيهم الساعة ، وهم على ذلك ) .
فقال عبد الله : أجل ؛ ثم يبعث الله ريحاً كريح المسك , مسها مس الحرير , فلا تترك نفساً في قلبه مثقال حبة من الإيمان إلا قبضته , ثم يبقى شرار الناس ، عليهم تقوم الساعة . رواه مسلم .