(20)
سأعود من أجلها..
رفعت كاترين عينيها عن الصورة الفوتوغرافية الصغيرة
التى تحملها بين أصابعها..
وأخذت تتأمل الذئب بذهول
كان يجلس الى منضدة..
مستندا بمرفقيه اليها ورأسه بين كفيه,
وحول المنضدة جلست هى والقائد وسيدة أخرى لا تعرفها,
أما الصغير.. فقد كان نائما فى الدور العلوى
أرادت كاترين أن ترد عليه..
كانت تحمل الكثير والكثير من الكلمات التى يمكن أن تقال
لكنها هربت كلها من رأسها ..
عندما فاجأها بعد الصمت الطويل..
بكلماته الممتلئة باصرار وعناد لم تقابل مثله فى حياتها
أدارت عينيها فى وجوه الجميع..
علها تجد من يقول كلمة تثنيه عن عزمه
لكنها أدركت أن حالة الذهول التى أصابتها..
قد أصابت الجميع أيضا
شخص واحد فقط من الجلوس
استطاع أن يكسر حالة الصمت التى طغت على كل من فى الحجرة
وبعينين سكنتهما الدموع..
فلا هى عادت من حيث أتت,
ولا هى غادرت الى خديها
قالت أم مالك وزهرة بصوت يقطر بالألم :
لم تفعل مافعلته الا لأنها كانت تريد انقاذك..
بمجرد أن وصلنا نبأ اصابتك ونقلك الى مستشفى فى جروزنى..
لم تستطع البقاء ليلة واحدة,
فاصطحبت مالك وغادرت الى جروزنى,
وأصر خالد على مرافقتها حتى لاتكون وحيدة
تنهدت بألم وهى تكمل :
كان الأمر كله مجرد خدعة
لإستدراجها الى جروزنى .. لتقع فى قبضتهم
لقد جاءت الطعنة من شخص شديد الثقة..
لم نكن ندرى أنهم استطاعوا شراءه..
لا أحد يمكن أن يتوقع ابدا أنه خائن
ضرب المنضدة بقبضته بغيظ شديد وهب واقفا..
ثم استدار الى النافذة ليخفى الغضب الرهيب الذى غزا ملامحه
قال بعد صمت :
تلك هى معركتنا الحقيقية..
مع الخونة والعملاء
لن تدرى أبدا من أين تأتيك الطعنه
استند بكفيه الى النافذة وطال صمته..
وخيم الصمت على الجميع,
لقد نجت زوجته من موت محقق ..
عندما فاجأها المخاض بعد تركه لها بسويعات قليلة
تخلفت عن حافلة المهجرين التى كان يجب أن تركبها
أنقذها مالك الصغير من هلاك محقق
وفى نفس اللحظة التى عرف فيها بنجاتها...
صدمته الحقيقة المؤلمة
فهى الآن أسيرة بين أيديهم.. بين أيدى الأعداء
تنتظر أن يبادلوها به
فاما حياته ....أو حياتها
نطق أخيرا بصوت ينتفض غضبا :
لم أكن أتوقع أن هناك ما هو أشد وأقسى على النفس
من الوحدة وفقد الأحبة..
جحيم الإنتظار.. وأن تكون سببا فى ايذاء
أقرب الناس اليك..
سأعود من أجلها مهما كان الثمن
هتفت كاترين بعد أن عجزت عن الصمت :
هل جننت؟
أتريد أن تحقق لهم ما يريدونه؟
لن يتركوك حيا أبدا.. اذا ما وضعوا يدهم عليك
يمكننا ان ننقذها بطريقة أخرى
أستطيع أن أحرض عليهم
الصليب الأحمر.. ومنظمات حقوق الإنسان,
بامكانهم التدخل و......
التفتت اليها عمر ببطء وهو يقول :
يبدو أنك لم تدركى بعد طبيعة الصراع الروسى الشيشانى
استطاعت روسيا اقناع العالم أن القضية
هى شأن روسى داخلى..
وأن الشيشانيون ماهم الا مجموعة من المجرمين
الخارجين على القانون الروسى
هتفت بغضب :مابك؟
أتلك هى نظرتك للأمور
قال بأسى :بل نظرة العالم الينا والى قضيتنا
لن يتدخل أحد من أجل مجموعة ينظرون اليها كارهابيين,
خاصة فى ظل التحالف العالمى الذى تقوده أمريكا ضد الإرهاب
وطالما أننا مسلمون..
فنحن اذا........ مدانون
هتفت كاترين بعناد :
لا يمكن أن تيأس الآن..
هناك الكثيرين يؤمنون بعدالة قضيتكم ويتعاطفون معكم
قال :
ولكنهم للأسف.. ليسوا فى موقع سلطة,
أو بيدهم قوة يمكن أن تساعدنا..
ليس لنا سوى ثقتنا بالله.. ومواصلة المقاومة والصمود
حتى نحرر أرضنا ولو بعد آلاف السنين
هتفت كاترين : وماذا عن صغيرك؟
الى من تتركه.. وماذا سيكون مصيره
بعد رحيلك ورحيل أمه؟
قال ببطء :له الله.. ثم جدته وخالته,
وكل الشيشانيين.. هم أهله
كاترين : اذا فلقد اخترت .......حياتها مقابل حياتك
نظر اليها وقال : بل حياتى مقابل حريتها
عقدت حاجبيها بدهشة وتساءلت بشك :
تقصد زوجتك؟
أخيرا تحدث القائد قائلا بحزم :
ومن أجل هذا فأنا أمنعك من العودة
لا يمكننى التضحية بقائد مثلك..
المقاومة تحتاجك بشدة,
نستطيع أن نتدبر الأمر,
سنبحث عن طريقة لإخراجها من هناك,
ولكن دون التضحية بك
قال بهدوء :المقاومة ستستمر بى أو بدونى..
من مئات السنين.. وطوال حروبنا معهم
لم تتوقف المقاومة أبدا لموت واحد منها..
فالمقاومة ليست فردا.. بل هى الشعب بأكمله
التفت مجددا الى النافذة..
وراح يتأمل الجبال البعيدة والوديان والأشجار
وهو يقول بشرود :
وحتى لو أفنوا شعبنا..
ستحاربهم الجبال والسهول والأشجار والجليد
ستحاربهم الأرض والسماء
رحم تلك الجبال لن ينضب أبدا عن اخراج المجاهدين
أعلم أنها هناك.. تنتظرنى
وواجبى يحتم على أن أعود اليها
تأمله الجميع بصمت ..
ولم يجروء أحدهم على قول أى شئ
ومرة ثانية ظل عقل كاترين يردد نفس السؤال
دون أن يتحرك لسانها :
أزوجته يقصد؟
المفضلات