" مقالات متنوعة "
أ -,, نصيحة العام الجديد ,,
أخي / أختي في الله: ها هي الأرض تعج بالمعاصي والذنوب وتجأر إلى الله من ذلك، وقد
غاب عن القلوب الرقيب والمذكر، فكانت المصائب والويلات التي تجرع المسلم مرارتها،
زلازل فيضانات ومجاعات وحروب وكسوف بين الحين والآخر، فلا أحد يرعوي ولا مقلع عن الهوى
{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41].
قال مجاهد: "أما والله ما هو بحركم هذا ولكن كل قرية على ماء جار فهو بحر".
أخي / أختي : بلاء في بلاء وتمر السنين والشرور في ازدياد، قال مجاهد: "إن البهائم تلعن عصاة
بني آدم إذا اشتدت السنة وأمسك المطر وتقول: هذا بشؤم معصية ابن آدم"،
وقال عكرمة: "دواب الأرض وهوامها حتى الخنافس والعقارب يقولون منعنا القطر بذنوب بني آدم"،
وقال بعض الصالحين وقد شكى إليه الناس بلاء وقع: "ما أرى ما أنتم فيه غلا بشؤم الذنوب".
وقال الإمام ابن القيم: "ومن آثار الذنوب والمعاصي أنها تحدث في الأرض أنواعاً من الفساد في المياه
والهواء والزروع والثمار والمساكن".
أخي / أختي المسلم/ة : أما آن لك أن تدرك وأنت تدخل عاماً هجرياً جديداً، أن المعاصي والذنوب
سبب من أسباب الذل والمهانة، وكم تأتي المعاصي بتسلط العداء والذل والصغار.
فقد كان من عامة دعاء إبراهيم بن أدهم: ((اللهم انقلني من ذل المعصية إلى عز الطاعة))
ومن دعاء الإمام أحمد بن حنبل: ((اللهم أعزني بطاعتك ولا تذلني بمعصيتك)) .
أخي / أختي : هذه فرصة جديدة لك إن قُدر لك أن تحيا هذا العام الجديد، فليكن لك من نفسك
رقيباً، فإن الله تعالى محص عليك أعمالك إن كانت خيراً أو شراً، قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينام
ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه يُرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل
حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه» [رواه مسلم].
أخي / أختي المسلم/ة : هل فكرت في أن لا يرفع لك إلا عمل صالح؟ فإن ساعات العمر
محسوبة وكل يوم يمضي من حياتك ينقص به يوم من عمرك يكتب لك فيه ما قلته
من قول أو فعلته من فعل {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18]،
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "يكتب كل ما تكلم به من خير وشر حتى إنه
ليكتب قوله: أكلتُ وشربتُ وذهبتُ وجئتُ ورأيتُ حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله
وعمله فأقر منه ما كان فيه من خير وشر وأُلقي سائره فذلك
قوله تعالى: {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد:39] ".
أخي / أختي في الله: كم كان الصالحون يحرصون على إحصاء ساعات الليل والنهار وكم
كانوا يشفقون أن ترفع لهم أعمال سيئة، فوا حسرة أهل الدنيا عندما فاتتهم هذه اللذة،
لقد كان إبراهيم النخعي يبكي إلى امرأته يوم الخميس وتبكي إليه ويقول: "اليوم تعرض أعمالنا على الله عز وجل"
وكان الضحاك يبكي آخر النهارويقول:" لا أدري ما رُفع من عملي،
يا من عمله معروض على من يعلم السر وأخفى لا تبهرج فإن الناقد بصير".
قال الإمام ابن القيم: "إضاعة الوقت أشد من الموت لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها".
وقال أيضاً رحمه الله: "أعظم الربح في
الدنيا أن تشغل نفسك كل وقت بما هو أولى بها وأنفع لها في معادها".
أخي / أختي المسلم/ة : هل فكرت يوماً وأنت تحاسب نفسك كم صعد لك من الأعمال الصالحة؟ من صلاة وصيام وصدقة وقراءه للقرآن وذكر لله تعالى، إنها الأيام
تمر وإنه العمر ينقضي قال- صلى الله عليه وسلم-: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل
عن عمره فيم أفناه؟ وعن عمله فيم فعل؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن
جسمه فيم أبلاه» [رواه الترمذي].
أخي / أختي المسلم/ة : هو عمرك فلا تقضه إلا في الطاعات حتى يأتيك الموت
قال الحسن البصري رحمه الله: "إن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلاً دون الموت
ثم قرأ: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99]".
أخي / أختي : كم مضى عليك من السنين؟ كم عمرت من العمر؟
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغ ستين سنة» [رواه البخاري].
وعن وهيب بن الورد قال: "إن لله ملكاً ينادي في السماء كل يوم وليلة أبناء الخمسين زرع دنا حصاده أبناء الستين هلموا إلى الحساب أبناء السبعين ماذا قدمتم؟ وماذا أخرتم؟
أبناء الثمانين لا عذر".
أيها الأفاضل والفاضلات : كم من العمر يمضي في غير طاعة الله؟! كم من الساعات تنقضي في اللهو والعبث؟!
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ»[رواه البخاري].
![]()
قال الإمام ابن الجوزي: قد يكون الإنسان صحيحاً ولا يكون متفرغاً لشغله بالمعاش، وقد يكون
مستغنياً ولا يكون صحيحاً، فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون، وتمام
ذلك أن الدنيا مزرعة الآخرة وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة فمن استعمل فراغه
وصحته في طاعة الله فهو المغبوط ومن استعملها في معصية الله فهو المغبون لأن الفراغ يعقبه الشغل
والصحة يعقبها السقم ولو لم يكن إلا الهرم كما قيل:
يسر الفتى طول السلامة والبقا *** فكيف ترى طول السلامة يَفعَلُ
يُرَدُّ الفتى بعد اعتدال وصحة *** ينوء إذا رام القيام ويحمل
وقال الطيبي: "ضرب النبي صلى الله عليه وسلم للمكلف مثلاً بالتاجر الذي له رأس مال
فهو يبتغي الربح مع سلامة رأس المال فطريقه في ذلك أن يتحرى فيمن يعامله ويلزم الصدق
والخدق لئلا يغبن فالصحة والمال رأس المال وينبغي له أن يعامل الله بالإيمان ومجاهدة النفس
وعدو الدين ليربح خيري الدنيا والآخرة، وقريب منه قول الله تعالى:
{هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الصف:10]،
وعليه أن يجتنب مطاوعة النفس ومعاملة الشيطان
لئلا يضيع رأس ماله مع الربح".
أخي / أختي المسلم/ة : لقد استخلفك الله في الأرض لينظر جهاد المجاهدين
في عبادته وطاعته، فيميز بين أوليائه وأعدائه، قال الإمام ابن رجب: "كم لله من
لطف وحكمة في إهباط آدم إلى الأرض لولا نزوله لما ظهر جهاد المجاهدين واجتهاد العابدين
المجتهدين ولا صدعت زفرات أنفاس التائبين ولا نزلت قطرات دموع المذنبين".
أخي / أختي : لقد أفنينا أعمارننا في حب الدنيا والتنافس في الاستزادة منها والتكاثر في
اقتناء حطامها {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:1-2]،
قال الإمام ابن القيم:
"وأعرض عن ذكر المكاثر به إرادة لا طلاقة وعمومه وإن كل ما يكاثر به العبد غيره سوى طاعة الله ورسوله وما يعود عليه بنفع معاده فهو داخل في هذا التكاثر. فالتكاثر في كل شيء من مال أو جاه أو رئاسة أو نسوة أو حديث أو علم ولا سيما إذا لم يحتج إليه والتكاثر في الكتب والتصانيف وكثرة المسائل وتفريعها وتوليدها.. والتكاثر أن يطلب الرجل أن يكون أكثر من غيره وهذا مذموم إلا فيما يقرب إلى الله".
![]()


رد مع اقتباس

المفضلات