يقول مالك بن دينار : بدأت حياتي ضائعا ، سكيراً عاصيا ، أظلم الناس وآكل الحقوق والربا ، أضرب الناس وأفعـل المظالم ، لا توجد معـصية إلا وارتكبتها ، شديد الفجور ؛ يتحاشاني الناس من معصيتي.
يقول : في يوم من الأيام إشتقت أن أتزوج ويكون لدي طفلة .. فتزوجت وأنجبت طفلة ، سميتها فاطمة ، أحببتها حباً شديدا ،و كلما كبرَت فاطمة زاد الإيمان في قلبي وقلت المعصية فيه ، ولربما رأتني فاطمة أمسك كأساً من الخمر ، لتقترب مني فتزيحه وهي لم تكمل العامين ، وكأن الله يجعلها تفعل ذلك ، وكلما اقتربت من الله خطوة ؛ إبتعدت شيئاً فشيئاً عن المعاصي ، حتى اكتمل سن فاطمة 3 أعوام ، فلما أكملتها توفيت !
يقول : فانقلبت أسوأ مما كنت ، ولم يكن لدي صبر المؤمنين مما يقويني على البلاء ، فتلاعب بي الشيطان وقال لي يوماً : لتسكرنَّ اليوم سكرةً ما سكِرت مثلها قبلاً !
فعزمت السكر والشرب ، وظللت طوال الليل أشرب وأشرب وأشرب ، رأيتني تتقاذفني الأحلام .. حتى رأيت تلك الرؤيا :
رأيتني يوم القيامة وقد أظلمت الشمس ، وتحولت البحار إلى نار ، وزلزلت الأرض ، واجتمع الناس وهم أفواج وأفواج ، وأنا بينهم ، وأسمع المنادي ينادي فلان بن فلانة .. هلم للعرض على الجبار.
يقول : فأرى فلان هذا وقد تحول وجهه إلى سواد شديد من شدة الخوف.
حتى سمعت المنادي ينادي باسمي ، هلم للعرض على الجبار ، يقول : فاختفى البشر من حولي ( هذا في الرؤيا ) وكأن لا أحد في أرض المحشر ، ثم رأيت ثعباناً عظيماً شديداً قوياً يجري نحوي فاتحا فاه. فجريت من شدة الخوف ، فوجدت رجلاًعجوزاً ضعيفاً ؛ فقلت : آه ! أنقذني من هذا الثعبان.
فقال لي .. يابني أنا ضعيف لا أستطيع ولكن إجر في هذه الناحية لعلك تنجو ، فجريت حيث أشار لي والثعبان خلفي ووجدت النار تلقاء وجهي ، فقلت : أأهرب من الثعبان لأسقط في النار !
فعدت مسرعا أجري والثعبان يقترب ، فعدت للرجل الضعيف وقلت له : بالله عليك ! أنجدني ، أنقذني. فبكى رأفة بحالي وقال: أنا ضعيف كما ترى لا أستطيع فعل شيء ولكن إجر تجاه ذلك الجبل لعلك تنجو.
فجريت للجبل والثعبان سيخطفني فرأيت على الجبل أطفالا صغاراً فسمعت الأطفال كلهم يصرخون : يا فاطمة ! أدركي أباكِ ، أدركي أباكِ.
يقول : فعلمت أنها ابنتي ، ففرحت أن لي ابنة ماتت وعمرها 3 سنوات تنجدني من ذاك الموقف ، فأخذتني بيدها اليمنى ودفعت الثعبان بيدها اليسرى وأنا كالميت من شدة الخوف ، ثم جلسَت في حجري كما كانت تجلس في الدنيا ، وقالت لي : يا أبتي ! { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله }.
يقول : يابنيتي ! أخبريني عن هذا الثعبان.
قالت : هذا عملك السئ أنت كبرته ونميته حتى كاد أن يأكلك ، أما علمت يا أبتاه بأن الأعمال في الدنيا تعود مجسمة يوم القيامة !
يقول: وذلك الرجل الضعيف ؟
قالت : ذاك عملك الصالح ، أنت أضعفته وأوهنته حتى بكى لحالك لا يستطيع أن يفعل لك شيئاً ، ولولا انك أنجبتني ولولا أني مت صغيرة ماكان هناك شئ ينفعك.
يقول : فاستيقظت من نومي وأنا أصرخ : قد آن يارب ! قد آن يارب ! ، نعم : { ألم يان للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله }.
يقول : واغتسلت وخرجت لصلاة الفجر أريد التوبة والعودة إلى الله.
يقول : دخلت المسجد فإذا بالامام يقرأ نفس الآية : { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله }.
ذاك هو مالك بن دينار من أئمه التابعين ، هو الذي اشتهر عنه أنه كان يبكي طول الليل ويقول : إلهي أنت وحدك الذي يعلم ساكن الجنة من ساكن النار ، فأي الرجلين أنا ؟ اللهم اجعلني من سكان الجنة ولا تجعلني من سكان النار.
وتاب مالك بن دينار واشتهر عنه أنه كان يقف كل يوم عند باب المسجد ينادي ويقول : أيها العبد العاصي عد إلى مولاك ، أيها العبدالغافل عد إلى مولاك ، أيها العبد الهارب عد إلى مولاك ، مولاك يناديك بالليل والنهار يقول لك : (( ... من تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً ، ومن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعاً ، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة ... )).

أسألك تبارك وتعالى أن ترزقنا التوبة والإخلاص في العمل ، لا إله إلاأنت سبحانك إنا كنا من الظالمين.

أنشرها ، علها تكون سبباً في هداية وصلاح بعضهم ، وتخيل عظم الأجر الذي ستجنيه : (( لأن يهدي الله بك رجلا واحداً خير لك من حمر النعم ))