عائد إلى المنفى، خطواتك تمشي عليك .. عائد، ومدن كاملة تحملها على كتفيك وكل الخرائب تشهق في رئتيك، والقمر كرة صغيرة في جيبك سرقتها من الطفل كتذكار أو كغنيمة معركة صغيرة .. عائد، اخترت عودتك بنفسك، عبرت على نفسك بنفسك.
لو أنك حين العبور من الشائك الذي ينغرز في اللحم ويأكل صرخت: سأنام هنا جسرا للعابرين " لو أنك. لو أنك وأنت تهرب أظهرت نفسك للحارس الغبي الذي يعاقب الهارب إلى منفاه بإعادته إلى موطنه أن اقبض علي وأعادك ، لو أنك.
لو أنك تراجعت في اللحظة الأخيرة أو قبل الأخيرة وتذرعت: نسيت شيئا، وأريد شيئا، ويجب أن أفعل شيئا " وعدت غرستك في الحفرة التي نشأت من ابتلاعك الأرض وملأ حقيبتك بها حتى أصبحت مشروع قبر، لو أنك. لو أنك بدل عبورك إلى اللا شيء عبرت الشائك الوهمي بين المحتل والمحرر ونهشتك قذيفة دبابة ومدفعية ورصاصة كبيرة وكلاب بشرية ، وفتحوا مشروع القبر ودفنوك فيه فبقيت، لو أنك .. عائد، ولا نعوات ولا مراثي ولا جنائزيات ولا نواح ولا ناي يستطيع أن يبكيك .. عائد، وأمل الصغير: خليكن عنا، لا تروحو "، والدعاء الأخير عند الوداع: تروحو وترجعو بالسلامة " وتسأل: هاي إشارة أنو رح نرجع وعاجلا، مهيك؟! "
..
بعد كثافة من الوطن والحياة والدهشة والطائرات، هنا المنفى
عبد الرحمن الكيلاني


رد مع اقتباس


المفضلات