||عودة للطابق الخامس||



بقينا نحن الأربع كالأطراف دون الرأس , أو كاليتامى و هم يتأوهون متوجعين و انتظار يوري يعذبنا , محاولين طرد فكرة أنه قد رحل ليرحل للأبد ... في صمت عريق ركدت أرواحنا , حتى عكَّرَتها أصوات انبعثت من كل الزوايا , زمجرت بقوة فتردد صداها الخشن مخرطًا آذننا و قلوبنا , و انتصبت من جميع الأركان هياكل سوداء , محاولة مهاجمتنا , وثبنا و كأننا شبعنا من الراحة , و هرعنا متفرقين , بغباوة نجرب الاحتماء بأي شيء كان , ثم تزلزلت الأرضية من تحت أقدامنا لتزيد الموقف هولاً , و لم نلبث حتى انبثق من النوافذ ضوء ساطع أنار البهو المظلم ليبدد الأشباح و يحرقها , لم ندرك مصدر ذلك الضياء إنما لدغ أبصارنا فألصقنا أيدينا على وجوهنا لنحميها من سطوعه , لم نكد نلتقط أنفاسنا حتى انشقت الأرضية و ظهرت لنا سلالم للأسفل ... إذًا قد قام يوري بمأموريته , وهذا إشارة على أن .. كل شيء قد انتهى , حتى يوري ... !


ركضنا على تلك السلالم التي ظهرت بشكل غريب هنا فاخترقت الطوابق العليا للأسفل إنما لم يكن لنا وقت لتفقدها و التمعن فيها , إلى أن وصلنا للدور الأول .. اختفت الزجاجات المعلقة ...

ما إن وطأت أرجلنا الأرض حتى توارت عن أنظارنا تلك السلالم ثم تبين لنا وسط هذا تمثال أبيض .. إنه يوري؛ قد أضحى جمادًا , ضحى بنفسه و قدم حياته لأجلنا ... لا طالما كان ذو أنفة و عزة, و ها هي هاته الخصلة تودي به, تمزقت الحنايا و نحن نتمعن فيه , حاولنا جره معنا لنأخذه بعيدًا , يكفي أنه واجه المجهول في الطابق السفلي , لا ينقص أن نتركه وحده هنا أيضًا , رغم أننا لا ندري ما يجب علينا فعله به أو له لإعادته إلينا , لكنه أبى أن يتزحزح من مكانه وكأنه ثابت على الأرض أو نابت في ذلك المكان و قد تأصلت جذوره ... لم يكن لنا إلا أن نتركه و نمضي لحال سبيلنا كما أراد.. فتحنا ذلك الباب فصفعتنا أشعة الشمس .. قد حل الصباح , و جاء يوم جديد و أمل جديد لكل هاته الأشياء الصغيرة, إنما ولد أمامنا نحن, وجع سيتتبعنا و يكبر معنا .


وصلنا المدينة مدمرين , بللت واكانا و تومومي المكان بدموعهما , لم نعلم ما يجب أن نفعله أو نقصده في أوج ألمنا و تيهنا ...

" يوري ضاع , يوري مات "

هذا ما تردد في أذهان الجميع مرارًا و تكرارًا , توقفنا عند النادي , لكنا لم نود الخروج للعالم فيرى الناس سواد وجهنا , و كان من الأحسن أن يذهب كل واحد لمنزله ليرتاح ,ثم نلتقي غدًا لنرى و نتعمق في أمرنا , و كيف سنشرح لعائلته هذا الجنون ... !





حل الصباح ثقيلاً مدببًا , حرقت أشعته جلودنا , و أبرحت نسائمه أرواحنا الباكية ضربًا ... كنا سنلتقي على الساعة التاسعة ؛ فمرت واكانا على تومومي بما أنها في طريقها للنادي , وجدت أهلها هناك حيتهما ثم طلبت منهما مناداتها :



والد تومومي " هل عدتم من مهمتك تلك ؟ .. لكن تومومي لم تأتي بعد "


" كيف هذا؟‼ ... قد أوصلتها بنفسي بالأمس إلى هنا , و دخلت أمام ناظري ثم غادرت "



والدة تومومي " في الواقع لم نكن بالمدينة بالأمس , لقد عدنا منذ قليل فقط , ربما هي في غرفتها الآن , دعيني أتفقدها "


صعدَت نحو الأعلى , لم تكن إلا دقائق حتى سمعا صراخها من الطابق العلوِي , أسرعا إليها , ففاجأتهما ساقطة على الأرض ماسكة رأسها بعنف تبكي , تقدما نحو باب الغرفة فصُدما بتومومي جثة هامدة زرقاء معلقة من رقبتها ... قد انتحر تومومي ..

كادت واكانا تفقد وعيها , و سقطت إلى جنب والدتها فاغرة الفاه لا تصدق ما ترى , و بقيا تحت وقع الصدمة , واحدة تصرخ و الأخرى في صمت عريق يحاول عقلها تحليل هاته الوضعية , و أخيرًا أدرك أن تومومي قد رحلت , فانفجرت واكانا باكية لا تجد من يواسيها , ثــم اتصلتـ بي و بكوتا و أعلمتنا بالخبر...

وقعت عليَّ ثقيلةً هاته الفاجعة , الأمس فقط غادرنا يوري و اليوم تومومي .. حملت نفسي بسرعة رغم أني كنت أعاني من صداع حاد و تمزق و بل تحطم تام في جسدي , و أسرعت لمنزلها .... اندهشت و أنا أرى رجال الإسعاف يجرون سريرًا حديديًا ينام فيه شخص ما مغطًا بغطاء أبيض , إنها تومومي تغط في نوم أبدي ... لم أستطع تصديق الأمر و هرعت للداخل لأرى وضعية أهلها , فأيقنت نوعًا ما أنه قد حدث فعلاً , لم أعرف ما الذي يمكنني قوله لهما , لم أستطع الكلام حتى , أصلا لم يكونا يريانني في أوج حزنهما و غرقهما في المصيبة , ثم انتبهت لصوت واكانا خلفي باكية , التفت فارتمت في أحضاني تجهش :

" رييو ... تومومي ماتــ .... "

أوقفها نحيبها عن مواصلة كلامها , و راحت تبللني و بل تغسلني بدموعها , لم يكن لي إلا أن أمسكها و أحضنها كما الصغار لربما سيخفف عنها هذا شيئًا ما , بينما دمعة حارة تسللت من عيني لتخرج و تنساب على خدي .. رغم أن الرجال لا يبكون أبدًا , و لكن هذا إكرامًا و حزنًا على تومومي ... بقينا مدة هكذا حتى أدركت أننا قد بقينا لوحدنا هنا و أن الجميع قد رحلوا , و كان بكاءها قد خف نوعًا ما , بعد أن أفرغت كل ما فيها ابتعدت عني ثم كلمتني , و وجهها مملوء بندى دموعها و وجنتيها قد احمرتا كأنهما قد عصرتا :

" كيف حدث هذا ؟ كيف أمكنها القيام بهذا ... هي تعرف أن جرح يوري لا يزال جديدًا , كيف لها أن تزيدنا همًا ؟!!! "


كنت سأرد عليها بكلام غير مفهوم فيزيدها سوءًا , فرنَّ هاتفي و رفعته دون ان أرى من المتصل :


" ألوو .. ! "


" رييو .. تعالى للمستشفى الأمل حالاً ! "


" لماذا ؟ ما الأمر .. هل هذا أنت ريكو؟ " .. نظرت لشاشة هاتف لأجد أنه شقيقي فعلا ثم أعدته لأذني


" أجل؛ إنه أنا ... أسرع , كوتا تعرض لحادث مروع , إنه في حالة حرجة و يستبعد نجاته "


توقف قلبي عن الخفقان و بقيت جامدًا في مكاني شارد الذهن حتى أعادتني واكانا منادية إياي لسطح الأرض


" رييو , ما أمر, من المتصل ؟ "


" إإنه .. لا شيء , هذا أخي ريكو فقط , لا تهتمي لأمره... دعينا نغادر المكان "


لم أود أن تصابَ بانهيار عصبي , فركبنا السيارة و اتجهت لمنزلها , ثم بدا لي فجأة أنها ستغضب إن عرفت أني علمت بما حلَّ بكوتا و لم أخبرها .. صدقًا , لا أود مواجهة غضبها العارم , فغيرت وجهتنا للمستشفى


تساءلت محدقة إليَّ باستغراب " منزلي ليس من هنا , لما غيرت الطريق ؟ "


تركت الصمت بيننا مدة ثم قلت " سوف نذهب لمكان ما .. لا تسأليني , عندما نصل سوف تعرفين "


فلزمت الوجوم و كأنها تحسست جديتي حتى وصلنا .. نزلنا , و لكنها لم تسأل إنما قرأت في ملامحها اصفرارا أنبأني أنها قد فهت كل شيء أو شعرت بأن خطبًا ما قد حصل , سألت موظفة الاستقبال عن آخر شخص قد جاءوا به لهنا بسبب حادث مرور , ففضحتني عندما نطقت اسم كوتا أمام واكانا و زادت الأمر سوءًا حين قالت أنه في غرفة الإنعاش , ثم طلبت منَّا الانتظار حتى تنادينا و تعلمنا بأي جديد , أمسكت واكانا ذراعي بعنف ثم قالت بصوت حاد

" رييو , ما به كوتا , ما الذي حصل له ؟ "


حاولت الإفلات منها و من الجواب " دعينا نجلس هنا , و سوف ينادوننا بعد قليل "


" قلت لك ما الذي جرى له ؟؟!! "


أشفقت عليها و أنا أرى عينيها قد اغرورقت بالدموع, فرددت بصوت خافت " لقد تعرض لحادث مرور منذ قليل... و حالته خطرة "


لم تزد كلمة بعد هذا , ما كان عليَّ قول الجملة الأخيرة لها أصلًا , ثم عادت لتجهش بالبكاء ... عدت بذاكرتي للوراء , و شغلت شريط الأحداث لأحلل و أفسر كل ما حصل , بالسرعة نفسها .. أولاً ؛ حشرنا أنفسنا في متاهة من الحمم , ثم تسببنا بموت يوري , ثم انتحرت تومومي من هول الصدمة , رغم أن هذا ليس من طباعها , فقد تقوم بأمور غبية لكن الانتحار ليس من ضمن القائمة الطويلة , ثم الآن ؛ كوتا بين الحياة و الموت .. من التالي يا ترى ؟... بدت لي الأمور غير منطقية البتة , كيف يحدث كل هذا خلال فترات متقاربة , أنا أشعر ؛ و نادرًا ما يخطئ شعوري ؛أشعر كما شعرت في بداية هذا الجحيم , أن الأمور غير طبيعية , و أنهم ؛ لم يرحلوا حقًا , و لهم يدٌ في هذا ..."إن لهم يدًا في كل هذا"... ترد صدى هاته الجملة في عقلي, و أيقنت أني على حق , فأدرت رأسي نحو واكانا لأخبرها عن استنتاجي , فوجدتها مغمورة حزنًا و أسى , يرثى لها ... ترددت في البوح بخواطري, و احترمت شجنها , أعدلت عن فكرتي رغم أنها كانت تستفزني ...

ثم أنقذوني من الكلام حين نادوننا لرؤية كوتا , قامت واكانا من مكانها و اسرعت للغرفة ثم لحقتها , حاولنا اقتحامها لكنهم منعونا و طلبوا منا الطمئنة عليه من بعيد فقط , من خلال زجاج النافذة الكبيرة التي صنعت خصيصًا لمن هم في وضع خطير و يتوجب إبعاد الناس عنهم قدر المستطاع دون منعهم من رؤيتهم , لم يكن لنا إلا الانصياع لهم , و بقينا ننظر إليه بحزن و هو مربوط بالآلات و الأنابيب التي تثبته على قيد الحياة , و الكدمات التي بدت لنا من هناك في مختلف جسده , عادت واكانا مجددًا للنحيب و أنا أربت على كتفها ... هكذا كانت الصورة.. نحن واقفان في الخارج و كوتا محجوز بالداخل يُمْنُع علينا الولوج إليه .. ثم تغيرت هاته اللوحة فجأة , و تمثل أمامنا و وراء الزجاج , شبح أسود كالذي تركناه في المصحة , أوقفت التربيت و أوقفت واكانا البكاء , تصلبنا و نحن نحدق إليه بفزع , غير مصدقين لما تبصره أعيننا .. راقبنا ذلك الشبح و هو يتركنا في ذهولنا و يتقدم نحو كوتا , و يقف عند رأسه هنيهة و ثم يضع أحد أطرافه التي لم يتضح لنا إن كانت يدًا أو رجلاً , على فمه ... صرخنا فقلبنا القسم , و زاد رنين الآلات أعصابنا توترًا ليَدُل على اضطراب نبض كوتا و تنفسه ..

"أيها الأحمق أبعد يدك القذرة عنه ! "

و أسرعت نحو الباب محاولا كسره , لكن منعتني الممرضات الضخمات , و أوقفنني رغم قوتي , ثم دخلن بسرعة و أغلقن الباب خلفهن ... و لكن بعد فوات الأوان , فقد خنقه و اختفى , و لم يره أحد إلا نحن ... توقفت صرخاتنا و لم نسمع إلا صفير الآلات المخيف الذي ثبتنا أمام حقيقة واحدة واضحة ... جلست على أحد الكراسي ممسكًا رأسي بكلتا يديَّ مانعًا إياه من الانفجار , ثم شعرت بجسم قد ارتمى لجنبي ...


"هل رأيته أنت أيضًا ؟! "


"أجل , ... لقد رأيت كل شيء -صمتُ قليلاً - أعتذر في قلبي للشعور الذي كبحته أولا ثم رفعت رأسي نحوها و
-
استطردت- أخذوا يوري , و واثق أنهم قد شنقوا تومومي , لا أعتقد أنها مجنونة فتقدم على مثل هكذا عمل , مهما واجهتها المشاكل و المآسي , تجابهها و لا تستسلم , إن لها شخصية قوية و انتحارها مستبعد مليار ميل عن عقلها , و قد رأيت ما حل بكوتا , لقد خدعونا منذ البداية بقصتهم تلك ... واكانا , نحن التاليان , نحن نعرف سرهم , سيلحقون بنا و لو لنهاية العالم "


خفضت رأسها تستوعب كلامي , هاته المرة لم تلعني لتلفظي بأمور قد لا يتقبلها العاقلون , لكن بما أنها قد كانت معي و رأت بأم عينها الذي حدث, ليس لها أي حق في اعتراضي , قامت من مكانها و اتجهت للخارج .. لم أدري ما كانت تفكر فيه لكنها بدت لي ستقدم على أمر جنوني , لحقتها مسرعًا , ثم أمسكتها سائلاً

" أين أنت ذاهبة لآن , يجب أن نبقى مع بعض "


صرخت في وجهي " سأنتقم منهم ... أولئك الحمقى ... سأنتقم لأصدقائي , أنا متجهة نحو المصحة "


" هل أنت مجنونة أم ماذا !؟... لا يمكنك الذهاب إلى هناك , هذا ما يريدونه هم , سيكون أمر تخلصهم منك سهلاً إذا ما دخلت عرينهم , لن تتحركي من قربي ... أتسمعين !؟ "


دفعتني صائحة " اتركني , لن يمسوني أبدًا , لن أبقى لأراك تموت أنت أيضًا , ...-بصوت متقطعٍ باكٍ- يكفي أن البقية ماتوا أمام ناظري حيث لم يمكن في وسعي عمل أي شيء "


أكملت طريقها نحو السيارة , لم تكد تبعد عني خمسة خطواتٍ حتى باغتتها شاحنة إسعاف كأنما يقودها أعمى, فصدمتها و تناثر دمها في كل مكان صابغًا وجهي ... حطمني و أغرقني في الذهول و السكون ذلك المشهد , و أنا أراها تطير في السماء ثم وقعت بقوة على الأرض كالدمية , لم أتمالك نفسي و وقعت على ركبتي فاغرًا فاهي مقهورًا أمام ما حدث على حين غرة , نزل السائق مستغربًا من المكابح التي تعطلت فجأة , و اتجه نحو وكانا ليتفقدها , أسرعت إليهما و دفعته عنها , يا ليتني دفعت السيارة الطائشة هكذا , و جدتها على الرمق الأخير , ابتسمت في وجهي مخضبة بالدماء , حاولت قول شيء ما لي لكني لم أفهمه جيدًا و لم أسمع إلا اسمي على لسانها , كان هذا آخر ما نطقت به ثم أغلقت عينيها ..للأبد , لست أذكر ما حلَّ بي و ما حدث بعد هذا تحديدًا , لكن شعرت أني داخل دوامة مظلمة حيث لا يوجد شيء لتمسك به ...

كنت مستلقيًا في مكان ما , و عيناي نصف مفتوحة و نصف مغلقة , فلم تتضح لي معالم المكان الذي انا فيه و لم أستطع الحراك أو القيام لمعرفة أين أنا ... امتزجت الخيالات ثم اتضح لي بينهم الشبح الأسود , نفسيًا صرخت و ربما قمت و هرولت , إنما جسديًا كنت ساكنًا في مكاني و لم أستطع الفرار أو إبعاده عني و هو يقترب رويدًا , وقف عندي يحاول مهاجمتي إنما مجددًا , ذلك الحاجز دومًا معي , كم من مرة جرَّب اختراقه لكنه لم يقدر ثم زمجر زمجرة وحشٍ في وجهي .... لاستيقظ على إثر ذلك ..
لم يكن ذلك إلا حلمًا إذًا , لكنها رؤيا حتمية على أنهم قادمون , و جدت نفسي في غرفتي , فلم يتبن لي إن كان كل ذلك كابوسًا أو أنه قد أغمي عليَّ في المستشفى , نزلت للأسفل لأجد العائلة مجتمعة على وجوههم علامات الانقباض ... أدركت أن أمرًا قد حلَّ بواكانا , بقيت مدة واقفًا انتظر أن ينطق أحد و يريحني , أُطْرِقَت جميع الرؤوس , ثم رفع ريكو خاصته بنبرة مواسية


"رييو ... واكانا ... لـ .. لقد رحلت , آسف جدًا لهذا أخي .... و ... "


قاطعته أمي ناهرة " يكفي ريكو .... هيا عزيزي اصعد لغرفتك لترتاح "


لم أنبس ببنت شفة , إنما ملئت عيناي بالدموع ... صعدت و من هناك سمعتها تقول لريكو "هل تريد أن يصاب بانهيار عصبي ، يكفيه خبر واكانا , لا ينقصه خير ضياع يوري .. فكر المرة المقبلة في كلامك "


ضائع ... أنا الضائع الوحيد هنا ....دخلت غرفتي و تسللت لسريري في ذلك الظلام , فجأة فتحت النافذة و دخلت منها رياح اقشعر لها بدني , ثم سقط أمامي ذلك الدفتر الذي أحضرته معي من المصحة , لست واثقًا ما إن كنت أهذي , لكن بدأت تظهر عليه كتابات حمراء كأنها نار, مضيئة فبدت واضحة في العتمة ... إنها رسالة منهم , تخبرني أنهم لن يتركوني في سلام إذ ما نشرت خبرهم ... عاد التوتر ليتملكني و رجعت للخلف فأسقطت شيء ما لم أره بسبب الظلمة, فأحدثت فوضًا وصل صداها للأسفل, سمعت خطًا سريعة تتجه نحو غرفتي , فزاد انقباضي , ثم ولجت أمي و أبي , ليطمئنا عليَّ


" رييو , ما الأمر , ما هاته الضجة؟ "


" لا .. لا شيء البتة لقد أوقعت الكرسي حين دخلت و الظلام يخيم على الغرفة و لم أره ... لا شيء "


" عزيزي , كن بطلاً و لا تترك هذا الأمر يؤثر عليك كثيرًا , لا تستسلم ... سيكون كل شيء على ما يرام "


ابتسمت كي أتملص منهم و أطردهم من غرفتي بطريقة غير مباشرة " لا تقلقا عليَّ , سأكون بخير ,أحتاج إلى الراحة فقط .. أنتما تعلما أنكما قد أنجبتما جسورًا "

شعرا بالراحة وغادرا ليتركاني و همي , تذكرت أمر القلادة هناك , لا شك أنها ما كان تحميني و ما يتسبب في ابعادهم كتطبيق لنظرية للنفور والجذب في الحقل الكهرومغناطيسي و الساليب و الموجب و موجات الرجعية .. كل ما يمكن أن يقوله كوتا لو كان .. كان موجودًا معي الآن .. حاليًا روحي في انقباض حديدي ملتهب شائك .. الاحباط على مد البصر ‼
لم أدري ما يمكنني فعله , أأهرب من المنزل فلا يتعرض غيري للأذى , أم أشارك سري أحدًا ما .. اتضح بعد هذا أنه الخيار الخطأ .. مرت الكثير من الأيام و الأرواح الشريرة تزعجني و تلحقني أينما ذهبت, و قد لاحظ أهلي تشوشي و الشجار الذي ينشب بينا , و لكن لما يسألون أمتعن عن الجواب , إلى أن أخبرتهم بكل شيء , و لكن ؛ ما صدقني أحد أو حاول .. أو على الأقل تظاهر بذلك ...
أخذوني لطبيب نفساني ليشخص أني مصاب بمرض نفسيٍ لا أذكر اسمه , لكني لغبائي و اصرارهم على ازعاجي استمررت أنا في أقوالي, إلى أن رموا بي في هاته المصحة العفنة ... أخذت الخيار الخطأ , كان يجب أن أبقيَّ ذاك السر عميقًا في قلبي ...
بعد أن تأكدت المخلوقات أن أحدًا لن يصدق كلامي , تركتني .. لكن بعد فوات الأوان ,..
قد استلزمت الصمت فلم أغرق في أدويتهم , و لم أحدث أحدا عن ما أعانيه .. و بقيت ذئبًا مستوحشًا يزحف نحو الشيخوخة متفردًا وكأن العالم قرر أن يبقى شابًا فتيًا ... لقد تخلوا عني , جميعًا , بقيت وحدي .... كل ما أنتظره هو الرحيل, و لكن طال بي الزمن ، طال كثيرًا... لم أعد أثق في أحد ! ]




أكملت سايا المذكرات و ضعتها جانبًا تتحسس قلبها الصغير , تبكي بحرقة , ثم التفت ليوري " كنت واثقة أنه ليس مجنونًا , كنت أدرك أنه يحمل بين طياته سرًا عظيمًا .... يوري , يجب أن يدرك العالم أن عمي بطل ... -بنبرة حادة- و سأنتقم لكم منهم ! "


" س و ف ت ق ح م ي ن ن ف س ك ف ي م ت ا هـ ة ... ل ق د ع ج ز ن ا ع ن ص ده م ف ك ي ف س ت ف ع ل ي ن أ ن ت , ل ق د خ د ع و ن ي ف ح ر ر ت ه م ب ع د أ ن ك ا ن و ا م ح ج و ز ي ن ه ن ا ك , ي ج ب أ ن ي ك و ن ل ج ن ب ك خ ب ي ر ك ي ت ن ج ح ي "

أطرقت هنيهة ثم تكلمت كالواثق من نفسه " أنا أعرف شخصًا سيساعدنا حتمًا ... ساتو ! "