ورد مسح الرأس في الوضوء على صفتين :
الأولى :
أن يضع يديه بعد بلهما بالماء على مقدم الرأس ثم يمسح رأسه حتى قفاه ، ثم يعود
بيديه إلى مقدم رأسه .
وقد ذكر النووي رحمه الله في "شرح مسلم" اتفاق العلماء على استحباب هذه الكيفية
.
وقد ثبت ذلك في عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم .
روى البخاري (185) ومسلم (235) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه
أنه وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ( . . ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ
فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ ، بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ حَتَّى ذَهَبَ
بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ
) .
وروى أبو داود (124) أَنَّ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه تَوَضَّأَ لِلنَّاسِ كَمَا
رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ ، فَلَمَّا
بَلَغَ رَأْسَهُ غَرَفَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَتَلَقَّاهَا بِشِمَالِهِ حَتَّى
وَضَعَهَا عَلَى وَسَطِ رَأْسِهِ حَتَّى قَطَرَ الْمَاءُ أَوْ كَادَ يَقْطُرُ ،
ثُمَّ مَسَحَ مِنْ مُقَدَّمِهِ إِلَى مُؤَخَّرِهِ ، وَمِنْ مُؤَخَّرِهِ إِلَى
مُقَدَّمِهِ . صححه الألباني في صحيح أبي داود .
وروى أبو داود (122) عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رضي الله عنه قَالَ
: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ ،
فَلَمَّا بَلَغَ مَسْحَ رَأْسِهِ وَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ
فَأَمَرَّهُمَا حَتَّى بَلَغَ الْقَفَا ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ
الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ . صححه الألباني في صحيح أبي داود .
وهذه الصفة تناسب من كان شعره قصيراً ، لا ينتفش بعود يديه إلى مقدم رأسه .
الصفة الثانية :
يمسح جميع رأسه ، ولكن باتجاه الشعر ، بحيث لا يغير الشعر عن هيئته .
وهذه الصفة تناسب من كان شعره طويلاً – رجلاً كان أو امرأة- بحيث يخشى انتفاشه
بعود يديه .
روى أحمد (26484) وأبو داود (128) عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ ابْنِ
عَفْرَاءَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
تَوَضَّأَ عِنْدَهَا ، فَمَسَحَ الرَّأْسَ كُلَّهُ مِنْ قَرْنِ الشَّعْرِ ، كُلَّ
نَاحِيَةٍ لِمُنْصَبِّ الشَّعْرِ ، لا يُحَرِّكُ الشَّعْرَ عَنْ هَيْئَتِهِ . حسنه
الألباني في صحيح أبي داود .
( مِنْ قَرْن الشَّعْر ) :
المراد بقرن الشعر هنا أعلى الرأس ، أي : يَبْتَدِئ الْمَسْح مِنْ الأَعْلَى
إِلَى أَسْفَلَ .
( كُلّ نَاحِيَة ) : أَيْ فِي كُلّ نَاحِيَة بِحَيْثُ يَسْتَوْعِب مَسْح جَمِيع
الرَّأْس عَرْضًا وَطُولا .
( لِمُنْصَبِّ الشَّعْر ) : الْمَكَان الَّذِي يَنْحَدِر إِلَيْهِ وَهُوَ
أَسْفَلَ الرَّأْس .
قَالَ الْعِرَاقِيّ : وَالْمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ يَبْتَدِئ الْمَسْح بِأَعْلَى
الرَّأْس إِلَى أَنْ يَنْتَهِي بِأَسْفَلِهِ يَفْعَل ذَلِكَ فِي كُلّ نَاحِيَة
عَلَى حِدَتهَا . اِنْتَهَى .
( لا يُحَرِّك الشَّعْر عَنْ هَيْئَته ) : الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا .
قَالَ اِبْن رَسْلَان : وَهَذِهِ الْكَيْفِيَّة مَخْصُوصَة بِمَنْ لَهُ شَعْر
طَوِيل , إِذْ لَوْ رَدَّ يَده عَلَيْهِ لِيَصِل الْمَاء إِلَى أُصُوله يَنْتَفِش
وَيَتَضَرَّر صَاحِبه بِانْتِفَاشِهِ وَانْتِشَار بَعْضه .
وَرُوِيَ عَنْ الإمام أَحْمَدَ أَنَّهُ سُئِلَ كَيْفَ تَمْسَح الْمَرْأَة وَمَنْ
لَهُ شَعْر طَوِيل كَشَعْرِهَا ؟ فَقَالَ : إِنْ شَاءَ مَسَحَ كَمَا رُوِيَ عَنْ
الرُّبَيِّع ، وَذَكَرَ الْحَدِيث ثُمَّ قَالَ : هَكَذَا ، وَوَضَعَ يَده عَلَى
وَسَط رَأْسه ثُمَّ جَرَّهَا إِلَى مُقَدَّمه ، ثُمَّ رَفَعَهَا فَوَضَعَهَا حَيْثُ
بَدَأَ مِنْهُ (يعني وضعها على وسط رأسه) ثُمَّ جَرّهَا إِلَى مُؤَخَّره .
ويحتمل أن يكون المراد بالقرن هنا مُقَدَّم الرَّأْس , أَيْ : اِبْتَدَأَ
الْمَسْح مِنْ مُقَدَّم رَأْسه مُسْتَوْعِبًا جَمِيع جَوَانِبه إِلَى مُنْصَبّ
شَعْره وَهُوَ مُؤَخَّر رَأْسه ، أي مسح رأسه مرة واحدة من مقدمه إلى مؤخره ، ولا
يعود بيديه مرة أخرى ، لأنه بذلك لا يحرك الشَّعْر عَنْ هَيْئَته ، وَقَدْ قَالَت
الرُّبَيِّعِ رضي الله عنها : لا يُحَرِّكُ الشَّعْرَ عَنْ هَيْئَتِهِ .
انظر : "عون المعبود شرح سنن أبي داود" ، "نيل الأوطار" (1/189) ، "المغني"
(1/178) .
والحاصل أن هذه الصفة يفعلها من يخشى انتفاش شعره ، فيمسح شعره إلى الجهة التي
ينحدر إليها حتى لا يتغير عن هيئته .
والله تعالى أعلم .
المفضلات