كانت قصة العشق بينهما حديثة العهد ,لكنها لم تكن طرية العود . وكان قلباهما يعزفان موسيقى الحب للمرة الاولى , لكنها كانت سيمفونية عمرها الاف السنين ومؤلفة من ملايين النبضات في جميع انحاء العالم . نور وكريم: عاشقان من هذا العصر , لكنهما ينتميان الى كل العصور ! فهل سيرأف بقصتهما الزمن ويكتب اسميهما على صفحاتة الخالدة ؟ ام انه سيهزم بجبروته الرابط الذي يجمع بينهما ويطويهما في ذاكرة النسيان ؟
كان الحبيبان جالسين في ذاك المساء الخريفي في احد مقاهي العاصمة المحاذية للبحر , يتعارفان ويتسامران ويبوحان , حين قطعت مريم عليهما سحر الجلسة , وهي احدى زميلات نور من على مقاعد المدرسة .
فمن هي مريم , وما سر المودة الزائدة التي اظهرتها بإزاء رفيقة قديمة لم تكن تعرها اي اهتمام من قبل ؟
فقدت مريم والدتها وهي بعد طفلة صغيرة لم تتجاوز الثامنة من العمر الا ان والدها لم يشأ ان يتزوج ثانية وخصص وقتة كلة لرعاية ابنتة الوحيدة والاهتمام بها وشائت الصدف ان ترتاد مريم المدرسة نفسها التي ترتادها نور , لما كانتا من جيل واحد , فقد جمعتهما كذلك صفوف الدراسة الا ان مريم تشكو من عيب مزعج للغاية , غالبا ماكان يثير استياء رفيقاتها , هو حب الظهور . وكان غنجها الزائد ودلالها المفرط ناجمين طبعا من كونها ابنة وحيدة لرجل اعطاها كل عمرة ومنحها كل اهتمامة , وكان عجزا عن رفض اي طلب لها , فمريم نادرا ما سمعت في حياتها كلمة لا , واعتادت الحصول على ماترغب بة دون اي جهد او شرط : كان يكفي ان تطلب , فتقوم عصا والدها السحرية باللازم ويتحقق المنشود وكان الاب يأمل بذلك ان يعوض عليها خسارتها لأمها والحنان الذي لا يستطع احد تأمين نكهتة الخاصة والأصيلة كالأم . ومن الطبيعي أن يكون حب الظهور هذا قد تسبب باثارة النفور في قلوب زميلات مريم , وغالبا ماكانت تنجم عنة مشكلات بين الفتيات الواتي كن من طبقات اجتماعية مختلفة ولا يملكن مظاهر الترف نفسها التي كانت تتفنن مريم في عرضها , غير آبهة ٍ بمشاعر الاخريات وظروفهن . هذا كل ماكانت تذكرة نور عن مريم: صورة مراهقة مدللة , سطحية سخيفة الى حد اثارة الشفقة , لم يجمعها يوما بها رابط صداقة حقيقي متين , ولم تسمع عن أخبارها شيئا منذ انهائها الدراسة الثانوية وإلتحاقها بجامعتين مختلفتين . الا ان ما تعرفة نور عن مريم هذة , هو انها كبرت لتصبح شابة شغوفة لحد الهوس بالملابس الفاخرة والماركات الشهير والعطور الفرنسية والاحذية الايطالية , وكل مارافق ذلك من مظاهر البذخ ومستلزمات لفت الأنظار . وكان ولعها هذا ناتجا ً بالدرجة الاولى من سعيها الى جذب الارسام , اذكانت مصممة كل تصميم على ايجاد عريس ((لقطة)) قادر على أن يوفر لها كل العيش الرغيد , ولم تكن قد وفقت حتى الان في سعيها هذا لأنها مثلما كانت تثير النفور في قلب الصديقات , كانت تثير النفور نفسة في قلب الشبان , وصارت شبة متخصصة في التخلص منهم وابعادهة عنا بسبب سلوكها المزعج وتصرفاتها السخيفة وطلباتها التعجيزية .
انضمت مريم اذا الى جلسة العاشقين وأصرت الى قبول دعوتها الى شرب كوب من العصير معا . أتراه كان كوبا من العصير حقا ً أم هو كوب من الحسد والغدر والخيانة ؟
لا يمكن ان تتصوري مدى سعادتي بلقائك يانور! ما هي اخر أخبارك ؟سمعت انك التحقتي بكلية الصحافة ...
نعم , صحيح لقد تخرجت في العام الماضي أنا اعمل الان في جريدة (الحقيقة) ماذا عنك ؟
في الواقع لطالما كنت كما تعلمين مهووسة بالأشياء الجميلة والراقية ذات الذوق الرفيع . وبسبب حسي الفني المرهف هذا, قرت ان ادرس هندسة الديكور لقد تخرجت لتوي وأسعى الى تأسيس مكتب في المدينة . وأنت ياكريم , أتراك من حرفيي الكلمة مثل نور ؟
كلا , للأسف , مع ان صناعة اللغة على أنواعها وأشكلها المختلفة . هي في رأيي احدى اجمل المهن وأرقاها . فالتعبير بالكلمات فعل ابداعي متواصل , ومنسجم مع الانسان وحياتة وخصوصيته .
ما هو مجال اختصاصك اذا ؟
في وسعك ان تقولي اني (مهندس معماري رغما عنة) في اي حال , هذا هو الترعريف الذي انوي ان اعلقة على باب مكتبي !
و لم كل هذة المرارة ؟ الم يكن في مقدورك اختيار مهنة اخرى احب الى قلبك ؟
ليست خياراتنا في الحياه متناغمة بالضرورة مع رغباتنا , والخيارات التي نعتمدها لا تكون دائما مرادفة لحريتنا . قدرة الانسان على ان يختار مصيرة ما هي في غالب الاحيان الا كذبة كبيرة وتموية لقلوب اسرة غير مرئية تجرة الى اتجاهات معينة وقرارات محددة ... الا توافقيني الرأي يانور ؟
نعم, نعم , بالطبع...
مابك ياحبيبتي ؟ اراكي منزعجة بعض الشيء !
في الحقيقة . لقد تأخر الوقت كثيرا وأنا مضطرة الى الذهاب حالا .
حسنا , نذهب فورا اذا , هيا بنا ! تشرفت بلقائك , مريم .
أنا ايضا كريم . كانت حقا مصادفة رائعة ! نور , من فضلك قبل ان تذهبي اود الحصول على رقم هاتفك . يجب ان نضل على اتصال , اليس كذلك ؟
طبعا مريم , هذا لطف منك ...
وما كان من نور الا أن دونت رقم هاتفها في ورقة صغيرة , وأعطتها لمريم شاعرة بأنها قد ظلمت ربما هذة الفتاة , وبأنها ليست سيئة حقا . او أنها على الاقل لم تعد سيئة كما في السابق ... يجب الا نحاكم المرء على اساس زمن مراهقته , فكرت نور في سرها , فهو عرضة للتبد والتغير , وقد يكون هذا التحول الى الاحسن على غرارا ما حصل مع مريم , علي ان اكف عن اصدار احكام مسبقة وهذ اللقاء مع شخص من الماضي هو خير درس يمكن أن اتعلمة في هذا المجال !
هكذا هي نور . قلب طاهر لا يعرف الخبث ولا يعرف ان يميز الخبثاء , صدقت انها ربما وجدت صديقة حقيقية , بعد اعوام من العزلو وانفراد الروح فلطالما كانت نور تقول ان الصداقة كذبة او نكتة . وانها لا تسمح للوهم بالتدخل هنا لأنة سيكون وهما كاذبا ً . زلطالما كانت تقول ان حلبة الداخل لا تتسع لروح وأنها ضيقة . ورغم انها ادركت احيانا الاختناق في عزلتها هذه , فهي لم تستنجد يوما بأحد ولم تهرع الى الباب لتهرب من ذاتها . فقد كانت مقتنعة بأن اللجوء الى الأصدقاء هو لجوء الى الذات وبأن هذا الهرب حافز الى الضياع , وبأنها لايمكن ان تهدىء من روع عذابها بغير خضوع الى صوت الصمت والعزلة .
رافق كريم حبيبتة الى منزلها في ذلك المساء . واتفقا على اللقاء في الغد في المكان نفسة في الرابعة من بعد الظهر وما لم تلاحضة نور هو نظرات احد مدراء الاقسام في الجريدة تلاحقها عند خروجها من المقهى برفقة كريم . نظرات مشبعة باللءم والنيات السيئة بان سمها ما ان دخل كريم بيتة ورأى وجة والده متجهما وهو يتحدث عبر الهاتف الى مجهول ...
اقفل سعيد ناصر السماعة بغضب شديد , وتبع ابنة الى غرفة الجلوس , وكانت يداه ترتجفان من شدة الغيض , ويكسو وجهه لون احمر قاتم يشبة لون السماء حين توشك العاصفة ان تندلع . نظر الية كريم متفاجئا .
مابك ابي ؟ هل سمعت خبرا سيئا ؟
خبر سيء ؟ ياريت ! بل هي مصيبة !
مصيبة ؟ خيرا يا ابي لقد اقلقتني مالامر ؟
ماكان ينقصني الا ان يصادف ابن سعيد ناصر فتاة حقيرة فقيرة بلا اصل ؟
ماذا ؟ !!! عمن تتكلم ؟
عمن اتكلم ؟ او تدعي البراءة ؟ عن تلك التافهة نور هاشم التي تسخر منك وتضحك عليك لتفوز بثروتك ! كم انت غبي حقا ! اقطع علاقتك بها فورا والا لن تكون العواقب حميدة !
المفضلات