السَـلَـامُـ عَـليكُمـ و رحَمـهُ اللهِ وَ بَـركَـاتَـهُ
شَـاب طَـويل القَـامَـه ، بَـهِـي الطَلعـه ، عَـريضُ المَـنكـبين بَـشُـوش الوجَـه مَـا رأيتـهُ يَـومـاً إلـا و أبتسَمـ فِـي وَجـهـي وَ مَـا إلتقـينا يَـومَـا إلـا تَصافحَـنا وَ وقفنَـا نتجَـاذبُ أطَـراف الحَـدِيث إنَـه صَـديقِـي العَـزيز طَـارِق أحَـمد أو كَمـا يَحـلو للبعَـض أن يُنـاديه ( طَـارق أبـو جَـبل ) هَـذا الفَـتى الفلسطِـيني يَحـمِـل بين ضِـلوعِـه أرق القُـلوب وَ أرحَمُهَـا مَـا رايتَـهُ يَـومَـاً عَـلى الـإطلَـاق عَـابِسـاً فِـي وجـه أحَـدهمـ لَكـن مَـاذا جَـرى اليَـومـ ... أراهـ يَجـلس وَحـيداً مُـنزوِيَـاً يُطَقطِـقُ أزرار حَـاسِـبه المَحـمُـول و فِـي عِـنيه نَظـره حُـزنٍ عَمـيقه إستطعَـتُ لمحَهـا رُغمـ نظَـارتـه المُـلونه
مَـا بِكـ يَـا طَـارِق ؟ بَـادرتـه قَـائلـًا
أجَـاب و نَـبرهُـ حُـزن فِـي صَـوتـه : لَـا شيئ يَـا أوَّاب . كَـيف حَـال الدِراسَـهِ مَعـكـ
أَجـبت قَـائلًـا : الحَمـدُ لله
عِندهَـا نَـظـرتُ إلـي الحَـاسُـوب فَـرأيتـه يَكُـتبُ بَعض السِطـور لَمـ أكُـن أُريـد اُزعجَـه فـودعَـتهُ و أنصَـرفـت
عِنـدهَـا سَمـعـتُ صَـوتَـه مِـن خَـلفـي يُنـادينِـي فَـألتفَـتُ إلـيه فَـأشَـار لـي بيَـدهِ أن تَـعـال فَـأتيتُ إلـيه فهَـمس إلـي قَـائلـًا : أ تُـريد أن تَـعـرِف مَـاذا أَكتُـب ؟
قُلـت : إن لَمـ يُكُـن لَـديكَـ مَـانعـ
قَـال : إذا تَـعال و أقـرأ ؟
إقتَـربتُ مِـن الحَـاسـب ، عَـدلـت نظَـارتِـي و بـدأت أقـرأ فكَـان أول مَـا قَـرأت ......
( ذكَـريـات غَـزاوِي )
عِندهَـا سَـألتـهُ مَـا هَـذا ؟
قَـال : ذكِـريَـات كُـتِـبت فِـي داخِـلي وَ لـن يستَطِـيعـ الـزَمـنُ مَـسحهَـا
قُـلت و قَـد نَـسيتُ أَمـر مَـا كَـتب و أنشغَـل بَـالـي بَـأمـر صَـديقِـي إمتلـئت عَـينَـاهُـ بالدِمُـوع
و مَـا ذاكَـ ؟
قَـال و هُـو يَمسَـحـُ بيَـدهِـ تَحـت عَـينه : ذِكـريَـاتُ الحَـرب .... حَـرب غَـزه الـأخِـيره الحَـرب التِـي عَـايشتُهَـا لحظـه بلحَظـه
عِـندهَـا إنعقـد لسَـانِـي و وضَعـت يَـدي عَلـى كَـتفـه و نَـظـرتُ إلـي الـأرض .... و لَمـ يقطَـعـ هَـذه اللحظَـات إلـي نحـنحـه الطُـلـاب ... قَـد بـدأت المُحَـاضـره عِنـدهَـا تَـركتـه و أتجهَـتُ إلـي مقعَـدي
مَـرت الدقَـائق الـأولـى مِـن المُحَـاضـره و أنَـا لـا أدري مَـا الـذي يقـولـه الطَـبيب الـواقِـف أمَـامنـا فقد ركَـزتُ نَظـرى نَحـو نُقطَـه مُبهَـمـه و شَـردتُ بـذهِــني خَـارجـاً .. و تعَـلمـون بِمَـا كُـنت أفَكـر و لَـمـ يُخـرجني ممَـا أنَـا فِـيه إلـا صَـوت المُحَـاضِـر يَطلُـب مِـني الـإنتِبَـاهـ
إنتهَـت سُـويعَـات المُحَـاضـره فَـأسـرعُت نحَـو طَـارق و اعطـيتَ فِـلـاشَـه طَـالباً مِـنه إرسَـال مَـا كَـتبه فَلـمـ يتَـردد بـإرسَـالهَـا .
فمَـا رأيكُمـ لَو نقَـرأهَـا سَـويـه
إنتَهـيتُ إمتحَـانِي فِـي الجَـامِعَـه و عًـدتُ مُـسرِعَـاً للبَـيت كُـنتُ أَسِـيرُ بالسَـياره بالقُـرب مِن مَـركزِ الشُـرطَـه لَمـ يَـكـُن هُـناكَـ شيئ غَـريب و مَـا أن مَـرت حَـوالـي الدقِـيقَـتين و إذ بـأصَـوات إنفجَـارات ضَخمـه مُتتـاليه يَـفصِل بين كُـل مِنَـها أجـزَاء مِـن الثَـانِيه لَـمـ يَـكن شَيئا غَـريبا بَـل شِـبه عَادِي لِـدَرجـه أني لَـمـ ألتَفِـت إلى الـوَراء فَـأكـمَلتُ طَـريـقي وَ إذ بِـأحَـدهِـمـ يُـشيِـر إلى الـوَراء لَـمـ أُلـقي لِـمَا يَـقُـول بَـالـًا فَـظـل مُـصِـراً عَـلى الـإشَـاره إلى ذَلِكَـ المَـكـان وَ عِـندمَـا نَـظـرتُ إلـى الـوراء دُهِـشتُ بِـمَا رَأيت فَقـد كَـانت سَـحابه مِـن الدُخَـان سَـوداء يُـقَارِبُ حَـجمَها حَجمـ بُـرجـ الفَاتِحـ ذُهِـلتُ مِـن هَـذا المَـشهَـد
أكمَـلتُ طَـريقِـي مُسرِعَـاً الى البَيت فَقـد تَـمنيت أن يَـكُـون كَـابُـوساً أو فِـيلماً مِـن الـأكشَن وَ لكِـنها الحَـقِـيقه إنهَا غَـزه.
وَصـلتُ البيتَ مَـذهُولـا فَـتحتُ التِـلفَاز يَـا إلهِـي ! مَـا هَـذا عَشرَاتُ الشُهَـداء بَـل عَـددهُمـ يَـفُـوق المَـئه فِـي الدَقَـائِـق الـأولَـى إطمئننَتُ عَلى أخَـواتِـي وَ أخِـي وَ ذهَـبتُ لـأرى بِـإمـ عَــيني مَـاذا حَـصل. شَـاهدتُ دمَـارا كَـبيرا وَ شُهَـداء بـالعَـشرات وَ تَـمنيتُ أن أستَـيقظ فِـي هَـذه اللحَـظه مِـن هَـذا الكَابُـوس وَ لكِـنها الحَـقيقَـه وَ يـا لهَا مِـن حَـقيقـه رَابِعـ أقـوى جَـيش فِـي العَـالمـ يَـضرِب بِـكل قُـوتِـه عَلى شَـعب أعَـزل لِـماذا ؟
لـانَـه قَـرر الحَـياه بِـحُـريه وَ رفَـض الذُل
عُـدتُ إلى الَـبيتِ أشَـاهِدُ التِـلفَاز وَ قَـلبِي يَـتقطع مَـاذا يَـحصُـل فِـي أبنَـاء شَعبِي ؟ مَـاذا يَـحصُـل فِي المُسلِمـين؟ قُـمت أتَـساءَل وَ أيقَـنتُ جَـازِماً أن هُـَناكـ وَقفَـة إسلَـامِـية عَـالمِية تُـوقِـف عَـلى الـأقـل هَـذا العُـدوان الجَـائر وَ لكن هيهَـات
أتذكَـرُ حَـرب غَـزة بكُـل تَـفاصِـيلهَـا يَـوماً بيـومـ بَـل سَاعة بِسَـاعـة وَ لَـا أبَـالغـ إن قُـلت لحَـظة بلحَـظة ..... أتذكَـرهُـا كَـما أتذكَـر إسمِـي .. وَ لكِـن تَـعجَـز الكَـلمَات وَ السِطُـور أن تَـصفَ وَ لَـو جُـزءاً بَـسيطاَ مِمَـا حَـدث .
إلتَـزمـتُ البَـيتَ الثَلـاث أَيامـ الـأولى دُونَ أن أخـرجـ إكتفَيتُ فقط بالنَـظرِ مِـن النَـافِـذه لـأَرى مَـا هِـي رَدة فِـعل النَاس الذّين لَـاحَـول لهَمـ وَ لـَا قُـوه كُـنت أرَاهُـمـ وَ هُـمـ فِي حَـالة مِـن الهِستِيريَـا كَـيف لَـا وَ كـل مِنهُـمـ قد فَـقد أحـد أوَلَـادِه بَل مِـنهُمـ مَـن فَـقد أربعَـة أبنـَاء أو خَـمسَة أو حَـتى العَـائلة بِـرمَـتها ، فَـمعـ بِـداية إنقِطَـَاعـ الكَـهرباء وَ عَـدمـ تَـوفُـر الوَقُـود وَ لـَا غَـاز الطَـهي مُـَـنذ أربـعَـة أشهُـر فَـكُـنت أتسَاءل مَـا هِـي النِـهَـاية ؟؟
هَـل هُـو الـاستـِسلَـامـ ؟؟
فَـأقُـول مُـجيباً بِـسُرعَـه بِـالطَبعـ لَـا وَ ألفُ لَـا إذاً مَـاذا ؟؟
كَـانت الـاجَـابة مِـن كُـل شَـخص أُسَـألَـه
الصُـمود وَ فقَـط الصُـمود مَـرت الـأيَــامـ وَ كَـأنها سِـنين دخَـلت الحَـربُ يوَمهَـا الرابِعـ فقَـررتُ الخُـروجـ لـزيارةِ أصحَـابي ذَهبتُ لـأحَـدهِمـ فَـرد عَـلي حَـزيناً إنَـهما خَـالي وَ ابن خَـالتـي شَـهيدين سَـألته مُـسرعاً مُـنذ مَتى ؟؟
رَد مُـنذ اليَـومـ الـأوَل سَـألتَـه مَـاذا تَـعرِف أيـضاً ؟ قَـال صَـديقُكَـ فِـلَـان وَ الـأخَـوين فـلـان وَ فـلـان عُـدتُ حَـزينا إلى الحَـارة وَ الصَـوارِيـخـ لَـا تقِـف بَـل هِـي فِـي إزديَـاد . جَـلستُ مَـعـ الجِـيرَان وَ كُـل مِـنهُمـ يُـفسر كَـما يحلـو لَـه وَ يعَـتقد كَـيف مَـا يشَاء يُـناقِشُونَـا بِـمَا يتوقَـعـ أن يَـحْـصَـل
رُبَـمَا كَـان مِـن أصعَـب مَـا يُـوصَـف هُـو دُخـول اللَيل بِلَـا كَـهربَـاء ضُـوء أَحمَـر يُـضِيء الغُـرفَـة وَ إهتِـزاز الـَارضَ ثُـمَـ صَـوت عَـالِي هَـذا مَـا يَـحدثُ عِـند كُـل صَـاروخـ وَ الـأصـعَب مِـن ذَلِكـ أيـنَ هِـي المَـنطِقَـة الـأكـثَر أَمانـاً فِـي البِـيت ؟؟ هَـذا سُـؤال طَـرحـته أُمـي عَـلينَا لِـكي نَـتخِـذه مَـكانـاً للنَـومـ وَ بـعد تَـعيين المَـكان قَـررت عائلتـي مُـكونة مِـن أخَـواتِـي الـأَربعَـ وَ أخِـي الصَـغير أن تَـنامـ فِـي هَـذا المَكان خَـوفاً لِمَـا يَـحصلُ فَـقلت لَـهمـ مُـستهَـزئا : أَمَـا أن فسَأنامـ وحِـيداً فِـي غُـرفَتي ، سَـألوني بسُرعَـة لَـست خَـائفـاً ؟! فَـأجَـبتُ : إنهَـا مِـيتة وَاحِـدة
مَـرت الـأيَـامـ وَ أصبَـحـت الحَـربُ شَـيئا رُوتينيا تَـراجَـعت المَـخاوف بـالنِسبَة لِـي وَ رُبَـمَا أصبَـحتُ لَـا مُـبالِـياً لِـدرجَـة أننَـي أصبحَـت أزور أصَـحابي الذَّين يَـسكـنُون بَـعـيداً مَـعـ أَخـذ الحِـيطة وَ الحَـذر
كُـنت أسَـير فِـي إحـدى المَـرات وَ إذ بِـصَـاروخـٍ يَـسقُط عَلى بُـعد حَـوالي المَـئة مِـتر مِـني أَحسَستُ حينهَـا وَ كَـأن أَحدهَـمـ دَفعَـني حَـتى كدت أن أطـير مَـسافة المِـترين مِـن شـدة الـانفِجَـار
وَ مَـرت الـأيَــامـ تَـحمِل الكَـثير مِـن الصَـوارِيخـ وَ الـإنفجَـارات لَـمـ أُفَـكر لحَـظة بالهَـزيمـة . وَ مـعَـ إقتـراب الجَيش مِـن مَـنزلنَا فِـي الـأيامـ الـاخـيرَة مِـن الحَـرب كَـان أبِـي يَـستَشِيرُنَـا قائلـاً : أن الجَـيش الصهَـيونِـي عَلـى بُعـد الكِيلو وَ نـصف الكِـيلـو مِـنا فَـمارأيـكُمـ ؟
هَـل نـذهب إلى أحـد المَـلـاجِـئ لِـحمَـاية أنفسنا ؟ فَـأجَـبتُ مُـسرعاً و َبكُـل ثِـقة : لَـا لَـا لَـا نَـحنُ هُـنا فِـي البَـيت لَـن نَـخرجَـ مِـنه أبَـدا
وَ فِـي اليَـومـ الثَـاني وَ العِـشرين أعلن الصَـهاينَـة وَقف العَـمل الـعَسكَـري ضِـد المَـاكِـن العَـظيمـ المُـسمَـى غَـــــزة وَ هَـكذا كَـان إعلـانُ إنتصَـارنَـا حُـلمـ أصبَـحـ حَـقيقَـَـة نـعمـ إنـه النَـصــــر وَ لكِـن لَمـ تَـكن هَـذه النِهاية بَـل هِي بِـداية دَمـل الجِـروحـ العَـميقـة وَ مَـا هـي إلـا يَـومَـين بَـعد الـنَصـر دَفعَـني الفضُـول فَأنطَـلقت أنـا وَ صَـديقِي لِـنرى حَجيمـ الدَمَـار .
و بينَمـا أَنـا أسـير وَـجدتُ أُنَـاسـاً مُـتجَمهِرون حَـول أحد المَـنازِل ، سَـألتهُمـ مَـاذا هُـناكـَ ؟؟ فقَـالوا : هُـناكـ شَـهيدين مِـن هُـناكـ أكمَـلت مَسيِري , كَـان الدمَـار هَـائلـاً وَ فِي اليَـومِـ التَـالي خَـرجُـت مَـرة أخـرى فَـوجدتُ النَـاس يبَـحثون فِـي نَـفس المَكـان فِـي الـأَنقـاض عَـن هؤلـاء الشَهيدين لمـ ألقي بالـاً فهُناكـ مِـئات الشُهداء وَ بـعد يَـومين فُـوجئت بإتـصَـال يًـخبرنَـي أن أَحـَد الشهيدين اللذَّين كُـنتُ تَـسير بـجانِبهُمَـا هُـو صَـديقكَـ عَـمار
فَـكتَـبتُ نَـحنُ كالشَـجرةِ نَـمُـوت وَاقِـفين
( تَـخيلوا أن يَـهجُـمـ عَـليكَـ ذِئب , يُـريد أن يَـأكُلكـ إنَـه أمَـر صَـعب وَ لكِــن الـأصـعَب أن يَـكُـون أخَـاكـ حَـولكـ تسَـتنجدُ بِـه وَ لَـا يَـنجِدكَـ وَ لكنِ أصعَـبُ الصَـعب أن يَـكُـون َأخَـاكـ يُـصفِـق لَـيس لَكـ بَـل للـذئب فِـي هَـذه اللحظَـة أَعجَـب شيئ هُـو إنتصَـاركـ عَـليه
فَـماذا سَـيكُـون مَـوقِـفكـ مِـن أخِيكـ؟!
المفضلات