«تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» [الملك:1]، ومن ثم يأخذ المسلم أُهبته ويعُدّ عُدّته لمجابهة مشكلات الحياة وصروف الدهر في أناةٍ وحزم وصبر وعزم، ويسلك السنن الكونية التي أمر الله بها في كتابه، والتزمها الرسول صلى الله عليه وسلم في سنته وسلوكه.

فإذا كان حاكمًا التزم العدلَ، ونبذ الظلمَ، وجعل الرحمةَ فوق العدل، والكرمَ فوق الرحمة، وبذا يستقيم له الأمر، ويثبت له السلطان في الأرض.
وإذا كان تاجرًا وجب أن يصدق الوعدَ، وأن يوفي بالعهد، وأن يقيم الوزن بالقسط ولا يخسر الميزان فزعًا وفَرَقًا من قوله تعالى:
«وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ» [المطففين:1]، وبهذا تنمو ثروته وتربح تجارته.
وإذا كان موظفًا التزم الأمانة، ونبذ الخيانة ويسَّر على الناس أحوالَهم، وهوَّن عليهم أمورَهم، وصرَّف لهم شئونهم، فيرقى بذلك درجات عند الله، ويستولي على قلوب الناس، فتنطلق ألسنتُهم له بالدعاء والثناء، وإن كان عاملاً أحسن عملَه، وأتقن صنعتَه، ووفَّى لصاحب العمل حقَّه؛ تنفيذًا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه» [البيهقي في شعب الإيمان (5312) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، 3 / 106].
وإذا كان فلاحًا أو زارعَ أرض، فلح أرضه، وزرع حقله، وأحسن صنعه؛ متوكلاً على الله مؤمنًا بقوله تعالى في سورة الواقعة:
«أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ» [الواقعة:63، 64]، فلا يلبث الزرع أن يبلغ نماءه حتى يسارع بإخراج زكاته؛ تنفيذًا لأمر الله عز وجل:
«وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ» [الأنعام:141].
والقائد في جنده، والوالد في أهله وولده، والزوجة في بيتها، والغني في ماله، والموظف في ديوانه، كُلٌّ يخشى الله في تصرفاته، ويرقبه في كل أحواله، ويخافه في تدبير أموره، ويتقيه؛ طمعًا في رحمته، وخوفًا من عذابه؛ فتستقيم الأمور، وتصلح الأعمال، وتطيب الأقوال، والله يقول: «إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ» [فاطر:10].

وفوق هذا، فإن تحقيق لا إله إلا الله تعدل السماوات والأرض وعامرهن غير الله،
عن أنس بن مالك رضي الله قال: شُجّ النبي صلى الله عليه وسلم يوم أُحُد وكُسرت رَباعيته، فقال: كيف يفلح قوم شجوا نبيهم، فنزل قول الله تعالى: «لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ» [آل عمران:128]. [متفق عليه].
وقضية التوحيد إذا أُثيرت وشابها شيء من الشرك، فإننا نرى غضب الله سبحانه يبدو أشد ما يكون وأوضح ما يكون، وإذا شئت فاقرأ قوله تعالى من سورة المائدة:
«قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا» [المائدة:17].
ويتجلى ذلك أيضًا حينما تسمع القرآن الكريم وهو يعلن أن الله يغفر الذنوب جميعًا إلا الشرك فيقول الله تعالى:
«إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ» [النساء:48].
وقال تعالى:
«وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ» [الزمر: 65]
فهذا إغلاظ في القول وعنف في الخطاب لأكرم خلق الله على الله ومصطفاه: محمد صلى الله عليه وسلم وللناس جميعًا؛ لأن التوحيد أخطر القضايا فهو قاعدة الانطلاق إلى البر والخير والهدى، والصلاح والإصلاح، والمودة والألفة، والوفاء والوئام، والمحبة والأخوة والسلام، وإذا انتفى التوحيد واستعلن الشرك، فالشر والضرّ والعقوق، والعبث والبغي والعَسَف والخسف، والكذب والفحش والغش والطغيان والظلم، وكل الموبقات، ومن بعد ذلك نَذْر لوليٍّ أو عَهْد من شيخ كفيل بتكفير تلك الذنوب!!!! وهذه المعاصي ومن ثَم فلا داعي لصيام ولا صلاة ولا ضرورة لحج أو زكاة، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من كنّ فيه ذاق حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يُقذف في النار» [منفق عليه]. إيذانًا بأن الشرك والكفر سبيل إلى الجحيم في الدنيا والآخرة.
وبعدُ فالتوحيد هو سر السلام الكوني.
والحمد لله رب العالمين.
استودعكم الله
اللهم ثبتنا على دينك واختم بالصالحات اعمالنا اللهم اجعلنا بارين طائعين بوالدينا اللهم يا ذا الجلال و الإكرام يا حي يا قيوم ندعوك باسمك الأعظم الذي إذا دعيت به أجبت اللهم امين يا رب
المفضلات