السَلَـامُ عَليكُم وَ رَحمَـهُ اللهِ وَ بركَـاتَهُ ,,,
إنَّ المُجتَمعَـات تَحتَـاجـ إلى كُل جُهد يَبذُلَـه الشَباب الطَموحـ المُتَحمِس لِكي نَبنِي مُجتمعَـاتِنَـا وَ ندفَع بِهَـا إلى سَبيل التَقدُم وَ الـإزدِهَـار ,, فَالدَعـوات لَـا تَسير وَ لَـا يمتَدُ زحفُهَـا إلَـا إذَّا إستَمدت وَقُـودهَـا مِن تَضحِيات المُؤمنينَ بِهَـا المُخلصين لَهَـا وَ نحْنُ إذَّا إستعـرَضنَـا نشَأه الـإسلَـام فِي مَكه نَجِـدُ صُـورَاً رَائِعَـه مِن هَـذّه التَضحِيَـات التي يَعجَـزُ التَارِيخ أَن يَجِـدَ لَهَـا مَثِيلَـاً فِي صحَـائِفه ,, فَلقد قَضي النبي صلى اللهُ عليه وَ سَلْم 13 عَاماً يَدعُو إلى مَبادِئ الـإسلَـام قَومَـا جَمدُوا على تَقلِيدَهم وَ تحجـرت قلُوبَهُم , , حِين رَأوا الدِين الجَدِيد ثَـورَةً على القَدِيم ,, وَ قلبَـاً للنِظام السَائدَ بينَهُم فكَـانت غَضبتَهُم على الدَاعِي الجَدِيد وَ القِله المُؤمِنه بِه غَضبَة عَـاتِيه مَجنُونَه بَعد أن حَـاولُوا بِكُل قُوه أَن يُثنوه عَن عزمِـه ,, وَ سَخُـوا فِي الوعُـود لَـه لِيُسكِتُوه عَن دَعـوتِه فكَـان رَدهُ :
" وَ اللهِ لَـو وَضعُوا الَـأرض في يَمِيني وَ القَمـر فِي يسَـارِي على أَن أَترُك هَـذَّا الَـأمـر مَـا تَركتَهُحَتى يُظهِـرَهُ الله أَو أَهلكَ دُونَه "
وَبِمقدَار مَـا كَـان فِي هَـذَّا القَول مِن خَيبه أَمل للمُشرِكين فقَد أفقَدهَم صَوابَهُم وَ ألهَـب غَضبَهُم فصَبُوا جَـامَهُ على النَبي الكَـريم بِمقدَارِ مَـا كَـان مُلهِبَـاً لِعَـزائِم المُسلِمين مُثيرَاً لِكُل قُوى الصَبرِ وَ الـإحتِمَـال وَ الثَبات فِي نُفـوسهم
لَقد كَـانت الحَماسه التي أَقبل المُشرِكُون بِهَـا على تَعذِيب الرَسُول صلى اللهُ عليه وَ سَلْم كَافيه لَـأن تُزَلزِل الجِبَـال الرَواسِي وَ تُذِيب النِفُوس القَـويه لَولَـا حَمـاس القِلـه المُومِنَـه التِي إستَمدُوهَـا مِن إيمَـانِهم بِرَبهـم وَ إخلَـاصِهم لِعَقيدَتِهم فَجعَـلوا يَنسُون أنفُسَهُم وَ أولَـادَهُم وَ كُل عَزِيز عَليهِم حَتى أَصبحُوا يَجِـدُون لِذَّه وَ رَاحـه فِيمَـا يبذلُونَـهُ مِن تَضحِيَـات .
وَ في الـَأوقَـات التي تَجدُب فِيه النِفُوس مِن الـإخلَـاص وَ تظمَـأ فِيهَـا القُلوب وَ تَهفُـو إلى غِذَاء رُوحِـي يَمِدُهَـابِزَاد مِن المثل العُليَـا ,, تَجِـد كُل هَـذَّا مُتَوافِـر بين السِطُور التي سَجلَهَـا التَـارِيخـ لِهَـؤلَـاء الشَباب المُؤمنين الـأبطَال الذين كَـانوا قَبل إيمَـانِهم مُهمَلين لَـا يَشعُر بِهم أَحـد .
وَ لَكِن الـإيمَـان باللهِ وَ التَضحِيات التي بَذَلُوهَـا فِي سَبِيله رَفعَهُم إلى مَقام الـأَبطَال وَ جعَلَهُم عمَـالِقه في التَارِيخـ تَنظُر إليه وَ تستَرجِع مَواقِفَهُم وَ تضحِيَـاتِهم كُلمَـا إشتِقنَـا إلى زَاد تتغَـذى بِه أَروَاحِـنا , وَ أَرواح الشَباب لِنغـرِس فِيهم رُوح التَضحِيه وَ الفِداء وَ الحُب وَ الـإخِلَـاص وَ الـإيمَـان العَمِيق بِالله وَ نُرِيهم مَـا تَفعَـلهُ العَقِيده المُخلِصَـه فِي إحيَـاء النِفُوس وَ تكـوين الـأبطَال .
فَهذَّا أَبُوبَكـر الصِديق رَضي اللهُ عَنه رَجُلَـاً لَه مكَـانَتهُ وَ مَـاله الذي أَنفَق أَكثَـرَهُ فِي خِدمَـه دِينَه وَ سخَـرَهُ لـإنقَـاذ الضُعفَـاء مِن إخـوانَه مَـر على أُمـيه بن خَلف المُشرِك فَوجـدَهُ يتَفنن فِي تَعـذِيب عَبدهُ بِلَـال الحَبشي رَضي اللهُ عَنه
فقَـال لَهُ أَبوبَكـر :
أَمَـا تتَقِي الله فِي هَـذَّا المِسكِين ؟!
فقَـال :
أَنت أَفسَدتَهُ ؟
فَـأشترَاهُ مِنه وَ أعتَقهُ وَ تكَـرر هَذَّا مَع عَبيد أخـرِين ,, يشتَرِيهم وَ يعتِقَهُـم فلَـامَهُ أَبُوه وَ قَـال لَـه أَمـا كَان لَك أن تَفعَـل هَـذَّا مَع عَبيد أَقويَـاء لِيكُونوا سَنداً لَكـ
فقَـال :
" إنمَـا أُرِيدُ وَجـه الله " ,, فَـأنزل اللهُ فِي شَـأنِه قَـولِـه تعَالى :
" فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى لا يَصْلاهَا إِلاَّ الأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى "
وَ مَـا حَصل لِبلَـال مِن تَعـذِيب حَـدث لكَـثيرين غَـيرَه أَمثَـال خَـباب وَ عَمـار وَ أبِيه وَ أُمَه حَتى كَـان النَبِي صلى اللهُ عليه وَ سَلْم يَقُول لَهُم :
" صَبرَاً أل يَـاسِر فَإن مَوعِدَكُم الجَـنه "
لَقد بَذل الصَحـابه رُضوَان الله عَليهم كَثير مِن التَضحِيَـات وَ كَـانُوا وَ لَـا يزَالُون المَثل الَـأعلى فِي التَضحِيه وَ نُكْرَان الذَات وَ يجدرُ بِنَـا أَن نختَـار مَثلَـاً مِن أَروع الَـأمثِلَه فِي تَارِخـ التَضحِيه وَ هِي قِصَـه الصحَـابي الجَليل " عَبدالله بن حُذَّافه السَهمي " فِي مَوقِعَـه قِيسَارِيه فِي خِلَـافه اَمِير المُؤمِنين عُمَر بن الخَطـاب رَضِي الله عَنه وَ كَـان هَذَّا البَطل العَظِيم قَبل أسرَهُ قَد أَظهَـر مِن آيَـات الشجَـاعه مَـا أَذهَل جُنود الرُوم فَحمَـلوه إلى مَلِكَهُم وَ قَـد سَمِع عَنهُم الكَثِير فَبخِل عليه بالمَوت وَ أراد فِي الوَقت نَفسِه أن يَفتِنَه فِي دِينَه وَ يُدخِلَـه في النصرَانيه فَيكسَب بِذَّلِكَـ بَطلَـاً مِن الَـأبطال وَ لَكِن كَيف يتوصل إلى ذَّلِكـ .. ؟
إلى أَن هـَدَّاهُ تَفكِـيرَهُ المَرِيض إلى أَن يفتِنَهُ بالمَـال وَ يُمنِيه بالسُلطَانِ وَ الجَـاه وَ يَلُوح لَـه بالثَراء وَ يَأسِـرَهُ بالجمَـال
فقَـال لَـهُ :
إن لِي بِنتَـاً هِي أَجمَـلُ بنَـاتِ عَصرِهَـا ,, خَطبهَـا مِني الملُوك وَ الَـأُمَـراء فَبخِلتُ بِهَـا عَليهم وَ أني لَمُستَعِدٌ أَن أُزَوجهَـا لَكـ وَ أُعطِيكَ نِصف مُلكِي وَ اُشرِكُك في سُلطَـاني على أَن تترُكـ دينكَ الذي أنت عَليه وَ تَدخُل النصرَانِيه
فقَـال رَضِي اللهُ عَنه : " وَ اللهِ لَـو أعطيتَني جَمِيع مَـا أتَملُك لَـا نِصفَهُ مَـا رَجعت عن دِيني طُرفَـه عين
فَـأحضر الطَاغيه إنَـاء كَبِيرَاً مِن النِحَـاس وَ مَـلَـأه زَيتَـاً ثُمَ وَضعَـهُ على النَـار حَتى غلى ثُم دعَـا بِرَجُلٍ مِن أَسـرَى المُسلِمين فعَـرض عليه النصرَانيه فَـأبى فَـأمـر أَن يُحمَـل وَ يُلقَـى في الزَيت وَ إبن حُذافه يَنظُر فَـإذَّا بِعِظَـامِه تَلُوحـ ثُمَ قَـال لِعبد الله : تنَصر وَ إلَـا كَـان مَصِيرُكَ كَمصِيره وَ ألقِيتُك فِي هَـذَّا الـإنَـاء
وَ لَكِنهُ رُضوان الله عَليه ظَل صَـامِداً كَـأنَهُ الجَبل الَـأشَم لَم تَلين لَـهُ قناه وَ لَم تَضعُف مِنه عَزِيمَـه وَ لم يَوهَـن إيمَـانَهُ وَ لَكِنَهُم رَأوه يَبكِي فَظنُوا أَنهُ قَـد ضَعُف وَ خَـاف مِن العَـذاب . فقَـالوا : مَـا يُبكِيكـ ؟
فقَـال : لَـأن هَذا الذي قَتلتمُوه الَـأن كُنتُ أَنَـا وَ هُو كفَـرسي رِهَـان وَ كُنت دَائمَـاً أسبقَهُ فَـإن صَلى رَكعَتين صَليتُ أَربعَاً وَ إن تَصدق بِدرَهمين تَصدقتُ بَأربع لَكِنَهُ الَـأن قَد سبقَني بالشِهَـاده
ثُمَ أَرَادُوا أَن يُرهِبوه فعلَقُوه على خَشبه كَالمَصلُوب ثُمَ أَمـر الطَاغِيه الرُمَـاه بَأن يَرمـوا السِهَـام قَريبَـاً مِنه وَ لَـا يُصِيبوه ,, لَكِنهُ ظَل ثَـابِتَاً كالطُود عَزيزاً قَويَـا لَم يُدرِكَـه الهَـون .
فَحـلوا وِثَـاقَهُ لِيُنقَل إلى إلى نَوع مِن التَعذِيب فَرأوا عَبره تَنطِقُ فِي عَينيه فَظنُوا أَن ذَّلِك ضَعفَـاً أَصَـابَهُ و لَكِنَهُم فَزِعُـوا عِندمَا سَمِعُوه يَقُول :
لَـا تَظنوا أني أَبكِي جَزعَـاً لِمَـا تُريدُون أَن تَصنَعُوه بِي وَ لَكِني أَبكِي أَنه ليس لِي إلَـا نَفسَاً وَاحِده وَاحِده يُفعَـلُ بِهَـا هَذَّا في الله وَ كُنت أَحبُ لَو كَان لِي من الَـأنفس عَدد شَعر جِسمي ثُمَ تُسلَطُون عَلي وَ تفعَلون مَـا تَفعَلُون ,
فَحبَسُوه فِي سِجن بِلَـا طَعَـام وَ لَـا شَرَاب وَ وضَعـوا مَعه فِي السِجن خَمـرَاً وَ لَحم خِنزِير وَ مكث فِي سجنِه لَـا يَأكُل وَ لَـا يشرَب ثلَـاثه أَيَام حَتى بَدأ عَليه الضَعف فلمَـا سَألوه ,, قَال : إن الضَرُوره تُجِيزُ لِي أَن أَكُل مِن لَحم الخِنزير وَ أشرَب الخَمر لَكني كَرِهتُ أن تَشمَتُوا بالـإسلَـام .
فَـأُعجِب المَلِكُ بِه وَ هَم بإطلَـاقِ سَرَاحـه لَكنه أَمـر بِحبسه رَيثمَـا يهتَدي إلى فِكـرَه لَـا تُثير عَليه جُنوده ,, وَ حِينذاكَـ جَـاءت إمَـراه فَـاتنه الجمَـال إلى المَلِك وَ طَلبت مِنهُ أَن يَـأذن لَهَـا بِخـلوه مَع هَـذَّا الذَّي إستَعصَى على كُل شيئ قَائله : لَن أَغيب عِنَدهُ اَكثر مِن دَقَـائق ثُمَ أَعـود وَ قَـد فتَنتَهُ فِي دِينَه
وَ دخَلت تِلك الفَاجِره وَ مكثَت عِندَهُ وَ طَـال مَكثُهَـا وَ إمتَد لِسَاعات لَـا لِدقَائق كَمـا زَعمـت ثُم خَـرجت وَ هِي تَقُـول وَ الله مَـا أدرِي أأدخَلتمُوني على حَجـرٍ أَم بَشر ؟
وَ هُنَـا أَحضَرهُ المَلِك وَ قَال لَه أُريد أَن اُطلِق سَراحك وَ لَكنني أَرى أن تعتَذِرَ لي أَمَـام وُزرَائي وَ قُوادي حَتى أَجِـد مُبَرِراً لَـأطلِق سَراحك ,, لَكِنهُ أبى ,, فَقال المَلِك : إن قَبلت رَأسي أَطلَقتُ سَراحـك
فقَـال : إن أَطلَقتَ مَعي إخـواني الَـأسرى قَبلتُ رَأسك حَتى إذَّا حَـاسبني رَبي يَـوم القِيَامه لِمَـا قَبلتَ رَأس كَافِر ؟ أَقُول مِن أَجـل عِبَادِك المُسلِمين يَـا ذَّا الجِلَـال وَ الـإكرَام .
فَوافق الطَاغِيه وَ فَرِحـ بِذَّلِك لَـأن كُل هَمهُ أن يُكَلف هَـذَّا المَارِد العِملَـاق شيئاً يُطِيعَهُ وَ يُنَفِذَهُ وَ قَبَّل عَبدُ الله رَاسه فَـأفرَج عَنهُ وَ عَن ثمَـانين مِن أَسرى المُؤمنين
وَ عَاد وَ مَعه الـَأسرى إلى أَميرِ المُؤمنين فَسعِد عُمر بِذَّلِك أيمَـا سَعَـاده وَ أنكَب يُقَبِل رَأسه وَ هُو يَقُـول : " الَـأن حَق على كُل مُسلِم أَن يُقَبل رَاس إبن حُذافه ,, وَ أنَـا أَبدأ " .
فَالمُؤمن الحَق لَـا يَعـرِف الشَك طَرِيقَـاً إلى قَلبِه وَ لَـا يستَجِيب للمُغرِيَـات مَهمَـا كَانت مُبهِرَه وَ لَـا يضعُف أَمام المِحَن وَ الفِتن
أَخرَج الـإمَام أَحمد فِي مُسنَده عَن أبي سَعِيد الخُدري رَضي اللهُ عَنه أَن الرَسُول صلى الله عليه وَ سلم قَـال : " المُؤمنون فِي الدُنيا على ثلَـاثه أَجـزاء : أَمـنوا باللهِ وَ رَسُولِه ثُمَ لَم يرتَـابُوا وَ جَـاهَدوا بَـأموالِهم وَ أنفسَهم في سَبيل الله ، وَ الذّي يَـأمَنَهُ النَاس على أَنفسهم وَ أَمـوالهم ، وَ الذي إذَّا أَشرف له طَمع تَركَهُ للهِ عَز وَجـل "
جَـزَاكُم اللهُ خَـيرَا ,,, فِي أَمَـانِ الله
المفضلات