|4|: فضائل الصحابة ومراتبهم وأسس البحث في تاريخهم

[ منتدى نور على نور ]


النتائج 1 إلى 5 من 5

مشاهدة المواضيع

  1. #1

    الصورة الرمزية المجاهدة

    تاريخ التسجيل
    Jan 2009
    المـشـــاركــات
    342
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي |4|: فضائل الصحابة ومراتبهم وأسس البحث في تاريخهم




    بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه والتابعين ...

    وبعد ،،


    فهذه هي المحطة الرابعة والأخيرة من سلسلة ( معالم في الصحابة ) ..

    وأسأل الله أن ينفع بها ، وأن يوفقنا وإياكم للخير والبر ..

    وما كان في هذه السلسلة من صواب فمن الله وحده ، وإن كان من خطأ فمني ومن الشيطان .

    والحمد لله رب العالمين .







    أعتذر عن تأخير هذا المبحث ..














    مر شيء من ذلك في فقرة ماضية - في الموضوع الأول - ، وفيما يلي مزيد بيان لذلك .

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في معرض كلام له عن اعتقاد أهل السنة : " ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم ، ويفضلون مَن أنفق من قبل الفتح – وهو صلح الحديبية – وقاتل على مَن أنفق من بعد وقاتل .
    ويفضلون المهاجرين على الأنصار ، ويؤمنون بأن الله قال لأهل بدر – وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر - : " اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " [ رواه البخاري (3007) ، ومسلم (2494) ] .
    وبأنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم .
    بل لقد رضي الله عنهم ورضوا عنه ، وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة " (1) .

    وهذا النص الجامع من شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يتضمن عدداَ من المسائل :
    الأولى : قوله : " ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم " .
    قوله : " ويقبلون " : أي أهل السنة .
    و " الفضائل " : جمع فضيلة ، وهي ما يفضل به المرء غيره ، ويُعَدُّ منقبةً له .
    و " المراتب " : الدرجات ؛ لأن الصحابة درجات ومراتب .

    الثانية : قوله : " ويُفضلون مَن أنفق من قبل الفتح – وهو صلح الحديبية – وقاتل على مَن أنفق بعد وقاتل " .
    " الحديبية " : بئر قرب مكة ، وقعت عنده البيعة تحت شجرة هناك حينما صد المشركون رسول الله صلى الل عليه وسلم وأصحابه عن دخول مكة ، فبايعوه على الموت ، وسميت هذه البيعة فتحاً ؛ لما حصل بسببها من الخير والنصر للمسلمين .
    والدليل على تفضيل هؤلاء قوله تعالى : { لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى } [ الحديد : 10 ] .

    الثالثة : قوله : " ويؤمنون بأن الله قال لأهل بدر – وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر - : " اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " " .
    يشير بذلك إلى مرتبة أهل بدر ، وأنها من أعلى مراتب الصحبة .

    وبدر هو المكان المعروف الذي كانت في الغزوة المشهورة ، وكانت في السنة الثانية من الهجرة في رمضان ، وسمى الله تعالى يومها : يوم الفرقان .

    فأهل بدر هم الذين جعل الله على أيديهم هذا النصر المبين ، والفرقان الذي هاب العرب به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وكان لهم منزلة عظيمة بعد هذا النصر فإن الله عز وجل اطلع عليهم وقال : " اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " .
    وقد اختلف العلماء بالمراد بالمغفرة في هذا الحديث ، ومن أحسن مَن تكلم في توجيه ذلك العلامة ابن القيم رحمه الله قال : " قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر : " وما يدريك أن الله اطلع على أهل بدر ، فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفر لكم " .
    أشكل على كثير من الناس معناه ؛ فإن ظاهره إباحة كل الأعمال لهم ، وتخييرهم فيما شاؤوا منها ، وذلك ممتنع .
    فقالت طائفة ، منهم ابن الجوزي : ليس المراد من قوله " اعملوا " الاستقبال ، وإنما هو للماضي ، وتقديره : أيُّ عملٍ كان لكم فقد غفرته .
    قال : ويدل على ذلك شيئان :
    أحدهما : أنه لو كان للمستقبل كان جوابه قوله : " فسأغفر لكم " .
    والثاني : أنه كان يكون إطلاقاً في الذنوب ولا وجه لذلك .

    وحقيقة هذا الجواب : أني قد غفرت لكم بهذه الغزوة ما سلف من ذنوبكم .
    لكنه ضعيف من وجهين :
    أحدهما : أن لفظ : " اعملوا " يأباه ؛ فإنه للاستقبال دون الماضي ، وقوله : " قد غفرت لكم " لا يوجب أن يكون : " اعملوا " مثله ؛ فإنه قوله : " قد غفرت " تحقيق لوقوع المغفرة في المستقبل كقوله : { أَتَى أَمْرُ اللَّهِ } [ النحل : 1 ] ، { وَجَاءَ رَبُّكَ } [ الفجر : 22 ] ، ونظائره .
    الثاني : أن الحديث نفسه يردّه ؛ فإن سببه قصة حاطب – رضي الله عنه - ، وتجسُّسه على النبي صلى الله عليه وسلم وذلك ذنب واقع بعد غزوة بدر لا قبلها ، وهو سبب الحديث ؛ فهو مراد منه قطعاً .
    فالذي نظن في ذلك – والله أعلم – أن هذا الخطاب لقوم قد علم الله سبحانه أنهم عل يفارقون دينهم ، بل يموتون على الإسلام ، وأنهم قد يقارفون بعض ما يقارف غيرهم من الذنوب ، ولكن لا يتركهم الله سبحانه مصرِّين عليها ، بل يوفقهم لتوبة نصوح ، واستغفاره ، وحسنات تمحو أثر ذلك .
    ويكون تخصيصهم بهذا دون غيرهم ؛ لأنه قد تحقق ذلك فيهم ، وأنهم مغفور لهم ، ولا يمنع ذلك كون المغفرة حصلت بأسباب تقوم بهم ، كما لا يقتضي ذلك أن يعطلوا الفرائض وثوقاً بالمغفرة ؛ فلو كانت قد حصلت بدون الاستمرار على القيام بالأوامر لما احتاجوا بعد ذلك إلى صلاة ، ولا صيام ، ولا حج ، ولا زكاة ، ولا جهاد ، وهذا محال .
    ومن أوجب الواجبات التوبة بعد الذنب ؛ فضمان المغفرة لا يوجب تعطيل أسباب المغفرة ، ونظير هذا قوله في الحديث الآخر : " أذنب عبدٌ ذنباً فقال : أي رب ، أذنبت ذنباً فاغفره لي ، فغفر له ، ثم مكث ما شاء الله أن يمكث ، ثم أذنب ذنباً آخر فقال : أي رب أصبت ذنباً فاغفره لي ، فغفر له ، ثم مكث ما شاء الله أن يمكث ثم أذنب ذنباً آخر فقال : رب أصبت ذنباً فاغفره لي ، فقال الله : علمَ عبدي أنّ له رباً يغفر الذنب ويأخذ به ، قد غفرت لعبدي فليعمل ما شاء " [ رواه البخاري (7505) ، ومسلم (2758) ] .

    فليس في هذا إطلاق وإذن منه سبحانه له في المحرمات والجرائم ، وإنما يدل على أنه يغفر له ما دام كذلك إذا أذنب تاب .
    واختصاص هذا العبد بهذا ؛ لأنه قد عليم أنه لا يصرُّ على ذنب ، وأنه كلما أذنب تاب حكمٌ يعم كل مَن كانت حاله حاله ، لكن ذلك العبد مقطوع له بذلك كما قطع به لأهل بدر .
    وكذلك كلُّ مَن بشره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة ، أو أخبره بأنه مغفور له لم يَفهم منه هو ولا غيره من الصحابة إطلاق الذنوب والمعاصي له ، ومسامحته بترك الواجبات ، بل كان هؤلاء أشد اجتهاداً وحذراً وخوفاً بعد البشارة منهم قبلها ، كالعشرة المشهور لهم بالجنة .

    وقد كان الصديِّق شديد الحذر والمخافة ، وكذلك عمر ؛ فإنهم علموا أن البشارة المطلقة مقيَّدة بشروطها والاستمرار عليها إلى الموت ، ومقيَّدة بانتفاء موانعها ، ولم يَفهم أحدٌ منهم من ذلك الإطلاق الإذن فيما شاؤوا من الأعمال " (2) .
    الرابعة : قوله : " بأنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة " .

    هذا الكلام في شأن أصحاب الشجرة ، وهم أهل بيعة الرضوان ، وهي البيعة التي حصلت في الحديبية – كما سبق الحديث عنه قريباً – وقد ذكر لهم شيخ الإسلام ابن تيمية مزيتين :
    إحداهما : أن لا يدخل النار أحد منهم ، وذليل ذلك ما جاء في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله يقول : " أخبرتني أم بشر أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند حفصة : " لا يدخل النار – إن شاء الله – من أصحاب الشجرة الذين بايعوا تحتها " [ مسلم (2496) ] .
    الأخرى : أن الله قد رضي عنهم ، وهذا صريح القرآن كما في قوله تعالى : { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ } [ الفتح : 18 ] .
    وممَن لهم سابقة وفضل ومزية أهل أحد ، ومما جاء في ذلك ما أورده الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه حيث عقد باباً في كتاب المغازي قال فيه : باب : " الذين استجابوا لله والرسول " .
    حدثنا محمد ، حدثنا أبو معاوية عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها { الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ } [ آل عمران : 172 ] .
    قالت لعروة : يا ابن أختي كان أبواك منهم : الزبير وأبو بكر ، لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ، وانصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا ، قال : " مَن يذهب في إثرهم " .
    فانتَدَب منهم سبعون رجلاً قال : كان فيهم أبو بكر والزبير " (3) .





    يقوم البحث في تاريخ الصحابة ، وما جرى بينهم من الفتن بعد استشهاد عثمان رضي الله عنهم وما حصل بين علي ومعاوية رضي الله عنهما على عدة أسس ، تتلخص فيما يلي :

    1- أن نعتقد أن الصحابة خير القرون ؛ لأن الله عز وجل زكاهم ، وكذلك رسوله صلى الله عليه وسلم .

    2- أن الكلام فيما شجر بينهم ليس هو الأصل ، بل الأصل الاعتقادي عند أهل السنة والجماعة هو الكف والإمساك عما شجر بينهم ؛ ليسلم المرء من الوقيعة فيهم أو انتقاصهم .

    3- إذا دعت الحاجة إلى ذكر ما شجر بينهم ، فلا بد من التحقق والتثبت في الروايات المذكورة حول الفتن التي وقعت بين الصحابة ؛ ذلك أن هذه الروايات دخلها الكذب والتحريف ؛ فوجب التحقق والتثبت .

    4- إذا صحت الرواية في ميزان الجرح والتعديل في شأن الصحابة ، وكان في ظاهرها القدح فيهم ، فَليُحمَل ذلك على أحسن المحامل ، وليُلتَمَس لهم أحسن المخارج والمعاذير .

    5- أن ما ثبت في ميزان النقد العلمي فيما شجر بين الصحابة ، هم فيه مجتهدون ؛ ذلك أن القضايا كانت مشتبهة ، فلشدة اشتباهها تباينت اجتهاداتهم على ثلاثة أقسام :
    أ. قسم ظهر له بالاجتهاد أن الحق مع هذا الطرف ، وأن مخالِفه باغٍ ؛ فوجب على مَن ظهر له ذلك نصرة المحق ؛ بناءً على ما ترجح عنده .
    ب. قسم عكس هؤلاء ؛ حيث ظهر لهم بالاجتهاد أن الحق مع الطرف الآخر ؛ فوجب عليه نصرته ، وقتال الباغلي عليه .
    ج. قسم اشتبهت عليه القضية ، ولم يتبين له وجه الصواب ؛ فاعتزل الفريقين ، وهذا هو الواجب في حقه ؛ لأنه لا يحل الإقدام على قتل المسلم حتى يظهر أنه مستحق لذلك .
    فتلخص من ذلك كله أنهم ما بين مجتهدٍ مصيب فله أجران ، ومجتهدٍ مخطئ فله أجر ، وثالثٍ اشتبه عليه الحق ؛ فآثر الاعتزال .

    6- أن الصحابة – مع اجتهادهم فيها وتأولهم – قد حزنوا حزناً شديداً ، وندموا لما آل إليه الأمر ؛ إذ لم يخطر ببالهم أنه سيصل إلى ما وصل إليه .

    7- أن الصحابة خير الناس حتى في حال القتال ، والفتنة ، والاختلاف ، فبرغم ما حصل بينهم إلا أنهم لم يكفِّروا بعضاً ، بل كان بعضهم يترحم على بعض ، ويأخذ العلم من بعض ، بل كانوا يثنون على بعض ، ويلتمسون المعاذير لبعض .

    8- منهج أهل السنة والجماعة في باب الصحابة – وهو الحق – أنهم لا يعتقدون أن كل واحدٍ من الصحابة معصوم من كبائر الذنوب وصغائرها ، بل تجوز عليهم الذنوب في الجملة ، ولكن لهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم .

    وما يُنكَر على بعضهم فهو جزء يسير ينغمر في بحر حسناتهم .
    هذا في الذنوب المحققة ، فكيف بالأمور الاجتهادية التي إن أصابوا فيها فلهم أجران ، وإن أخطأوا فلهم أجر واحد ؟

    هذه نبذة يسيرة حول أسس البحث في تاريخ الصحابة (4) .





    (1) العقيدة الواسطية : ص 171 .

    (2) الفوائد : ص 34 – 36 .

    (3) البخاري : (4077) .

    (4) انظر آخر الواسطية ، لابن تيمية . وعقيدة أهل السنة في الصحابة ، ص 17 – 94 .












    التعديل الأخير تم بواسطة المجاهدة ; 30-10-2011 الساعة 02:56 AM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...