السلام عليكم ورحمة الله ........^

قصة اليوم بعنوان ..."الهميان الضائع ..."

قال أحد التجار : قصدت الحج في أحد الأعوام , وكانت تجارتي عظيمة , وأموالي كثيرة ,

وكان في وسطي هميان , فيه دنانير وجواهر قيمة , وكان الهميان من ديباج أسود .

فلما كنت ببعض الطريق نزلت لبعض شأني , فانحل الهميان من وسطي , وسقط ولم أعلم بذالك

إلا بعد أن سرت عن الموضع فراسخ ...

ولكن ذالك لم يكن يؤثر في قلبي لما كنت أحتويه من غنى , واستخلفت ذالك المال عند الله ,

إذ كنت في طريقي إليه تعالى ... ولما قضيت حجتي وعدت تتابعت المحن علي حتى لم أعد أملك شيئا

فهربت على وجهي من بلدي , ولما كان بعد سنين من فقري أفضيت إلى مكان وزوجتي معي ,

وماأملك في تلك الليلة إلا دانقا ونصف دانق .. وكانت الليلة مطيرة , فأويت في بعض القرى

إلى خان خرب , فجاء زوجتي المخاض , فتحيرت .... ثم ولدت زوجتي , فقالت : ياهذا ,

الساعة تخرج روحي , فاتخذ لي شيئا أتقوى به , فخرجت بعد جهد أخبط في الظلمة والمطر ,

حتى جئت إلى بدال فوقفت عليه , فكلمني بعد جهد , فشرحت له حالي , فرحمني وأعطاني

بتلك القطع حلبة وزيتا وأغلاهما , وأعارني إناء جعلت ذالك فيه , وجئت أريد الموضع ,

فلما مشيت بعيدا , وقربت من الخان زلقت رجلي , وانكسر الإناء , وذهب جميع مافيه ,

فورد على قلبي أمر عظيم ماورد علي مثله قط . فأقبلت أبكي وأصيح , وإذا برجل قد أخرج رأسه

من شباك في داره , وقال : ويلك ..!! مالك تبكي ..؟ أما تدعنا ننام ..؟؟

فشرحت له القصة , فقال : ياهذا , البكاء كله بسبب دانق ونصف ...!!!!

فداخلني من الغم أعظم من الغم الأول , فقلت : ياهذا , والله ماعندي شيء لما ذهب مني , ولكن

بكائي رحمة لزوجتي وطفلي , فإن امرأتي تموت الآن جوعا , والله لقد حججت في سنة كذا وكذا

وأنا أملك من المال شيئا كثيرا , فذهب مني هميان فيه دنانير وجواهر تساوي ثلاثة آلاف دينار ,

فما فكرت فيه وأنت تراني الساعة أبكي بسبب دانق ونصف , فاسأل الله السلامة ولاتعيرني فتبلى

بمثل بلواي ........

قال لي : بالله يارجل ماكانت صفة هميانك ..؟؟

فأقبلت أبكي وقلت : ماينفعني ماخاطبتني به , أو ماتراه من جهدي وقيامي في المطر حتى

تستهزئ بي أيضا ..! وماينفعني وينفعك من صفة همياني الذي ضاع سنة كذا وكذا .......

فخرجت ومشيت , فإذا الرجل قد خرج وهو يصيح بي : خذ ياهذا , فظننته يتصدق علي ...

فجئت وقلت له : أي شيء تريد ...؟ فقال لي : صف هميانك , وقبض علي ولم أجد للخلاص سبيلا

إلا أن أصفه له .. فوصفته , فقال لي : ادخل ...فدخلت , فقال : أين امرأتك ..؟ قلت : في الخان ..

فانفذ غلمانه فجاءوا بها , وأدخلت إلى حرمه , فأصلحوا شأنها , وأطعموها كل ماتحتاج إليه ..

وجاءوني بجبة وقميص وعمامة وسراويل , وأدخلت الحمام سحرا , وطرح ذالك علي , وأصبحت في

عيشة راضية , وقال : أقم عندي أياما ... فأقمت عشرة أيام , كان يعطيني في كل يوم عشرة دنانير

وأنا متحير من عظم بره بعد شدة جفائه ... فلما كان ذالك بعد ذالك قال لي : في أي شيء تتصرف ..؟

قلت : كنت تاجرا ..فأخرج لي مائتي دينار , فقال : خذها واتجر فيها هاهنا ...

فقلت : هذا معاش قد أغناني به الله يجب أن ألزمه , فلزمته ....

فلما كان بعد شهور جئته وأخذت حقي وأعطيته حقه .. فقال : اجلس ..فجلست , فأخرج لي همياني

بعينه , وقال : أتعرف هذا ...؟فحين رأيته شهقت , فقال : أنا أحفظه منذ كذا وكذا سنة ...

فلما سمعتك تلك الليلة تقول ماقلته , وطالبتك بالعلامة فأعطيتها فأردت أن أعطيك للوقت هميانك

فخفت أن يُغشى عليك , فأعطيتك تلك الدنانير التي ظننتها هبة , وإنما أعطيتكها من هميانك ,

فخذ هميانك واجعلني في حِل , فشكرته ودعوت له , وأخذت الهميان ورجعت إلى بلدي ,

فبعت الجواهر , وضممت ثمنه إلى مامعي , واتجرت , فما مضت إلا سنوات حتى صرت صاحب

عشرة آلاف دينار . وصلحت حالي ............