حكايتي مع اللغة الفرنسية بقلمي أ. عمر

[ منتدى قلم الأعضاء ]


صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 25
  1. #1


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي حكايتي مع اللغة الفرنسية بقلمي أ. عمر

    بسم الله الرحمن الرحيم


    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


    هذه حكايتنا مع اللغة الفرنسية نقدمها إليكم
    عبر عدة حلقات

    على أمل أن تنال إعجابكم
    بإذن الله تعالى

    ولكن...
    إياكم ثم إياكم أن تقلدوا (إبداعاتنا) بها


    تابعونا
    في الغد إن شاء الله


    مع تحياتي
    أ. عمر قزيحة
    في 3/11/2017


    البداية
    بداية الكابوس
    أسماؤنا الجديدة
    شتائم لأننا أغبياء ومبدعون!
    شكوك عميقة
    سألوا الديك ليه بيصيح؟
    production ecrite
    أساتذة غاضبون
    السندويشة وعصابة x
    من أنا؟!
    تلك هي حكايتنا
    التعديل الأخير تم بواسطة أ. عمر ; 22-11-2017 الساعة 05:07 PM

  2. 9 أعضاء شكروا أ. عمر على هذا الموضوع المفيد:


  3. #2


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: حكايتي مع اللغة الفرنسية بقلمي أ. عمر

    البداية

    عبقريتنا في اللغة الفرنسية ترجع إلى عهد الطفولة
    ومرحلة التعليم الأساسي لا أذكر الكثير من أساتذة اللغة الفرنسية فيها، ولكني أذكر أستاذًا كان يشرح كل كلمة وكل حرف، ويعيد الشرح لمن لم يفهم من دون تأفف، كان يعطي الدرس بضمير وإخلاص، بل وكتب لنا رقم هاتفه على اللوح، لأجل أن نتصل به متى شئنا، لنسأله أي سؤال يخص المادة يخطر لنا، ونستفهم عن أي كلمة صعبة، وشرح لنا موقع بيته لمن لا يمتلك أهله هاتفًا (كان القلة لديهم هاتف أرضي تلك السنوات، أما الهاتف المحمول فلم نكن قد سمعنا بوجوده حتى).
    أذكر؛ كذلك؛ معلمة لغة فرنسية، كانت تعلمنا في صغرنا، وكلمة (تعلمنا) مجازية، إذ لم يكن يهمها شيء سوى هل بان شيء من شعرها أم لا، وهل يحتاج (الإيشارب) إلى تعديل أم لا! وهكذا كانت تتم مقاطعة الدرس عدة مرات كل دقيقة، لتنبيهها إلى أن (الإيشارب) قد تراجع إلى الوراء، لتقوم بتعديله فوق رأسها، وقد هددت التلاميذ بالضرب الشديد إن لم يقوموا بتنبيهها إلى ذلك، وهكذا كانت تمر الحصص، ولا نفهم؛ في النهاية؛ ماذا تكتب لنا هذه المعلمة على اللوح، ولا ماذا تريد أن تسمع لنا، وإن كنا نحفظ غيبًا لكن من دون أن نفهم ماذا نقرأ في الواقع!

    ومعلمة أخرى كانت لديها خطة عبقرية متميزة لتوفير الحبر في أقلامنا، فقد كانت تكتب على اللوح ونحن نتفرج، ممنوع أن نكتب خلفها إلى أن تنتهي! والسبب أنها تريد أن نرى ماذا نكتب، وبالتالي حينما تنتهي من الكتابة نكتب نحن، وهي سترى ما نكتب كل بضع دقائق (ولا أعرف موضع خطتها العبقرية الرائعة هنا، وما يمنعها أن نكتب معها، ثم تتابع لنا ما نكتبه على دفاترنا)!
    ولكن الأطرف من ذلك أنها؛ إذا رأت أن أحدًا قد نقل كلمة واحدة خطأ من اللوح؛ فإنها تطلب إليه أن يقف بجوار الحائط ينتظرها حتى تعلمه كيف يكتب بشكل صحيح، وهكذا تضيع الحصة، والمخطئ واقف قرب الحائط ربما يتمنى أن يستلقي أرضًا ليخفف آلام ساقيه، وحينما يرن الجرس تحمل هي العصا التي كانت من لوازم المدرسين تلك الأيام، وتسرع بضرب الأولاد واحدًا وراء الآخر، ضربة وراء الأخرى، هاتفة كلما رنت العصا على يد أحدهم بأنها مستعجلة! (بارك الله بها، تعطل وقتها لأجل أن تضرب الأولاد، بالتأكيد كانوا سيبكون من القهر لو لم تفعل)! والحمد لله أني لم أقف هذا الموقف المزعج معها.


    وفي أحد الصفوف كان الأستاذ معطاءً بحق، يشرح ويعيد الشرح، لكنه كان مغرمًا بما يسميه ال (Auto Dictee) والتي لا تقل عن صفحة كاملة، أي أنه كان يريد لنا أن ندرس مادته وحدها من دون سائر المواد، وهكذا كان الأمر يتكرر بشكل دائم، مثل حلقة تلفزيونية يُعاد عرضها من دون كلل أو ملل، فريق من رفاقنا يكتب (الروشتات) لنقل هذه الإملاء الكابوس، ويعلن الأستاذ أنه قد ألغاها، ويقوم أصحاب (الروشتات) بأخذ الإذن لأنهم يريدون (رمي ورقة في الزبالة)، وهكذا؛ وبعد أن يضمن الأستاذ أنه لم يعد هناك غشاش واحد في الصف، يطلب وضع ورقة بيضاء أمامنا وقلمًا كي نكتب هذه ال (Auto Dictee)!! وترتفع أصوات الاعتراض الاستنكارية، لكن لا فائدة، ولا يتربى الرفاق الغشاشون من خطئهم، فيقعون في الفخ كل مرة! لكن الصف الكابوس، الذي عمق كراهية اللغة الفرنسية كان في مرحلة لاحقة من مراحل التعليم الأساسية.
    وهنا تبدأ الحكاية الأصلية... حكاية اللغة الفرنسية والكوميديا والتراجيديا!
    نلقاكم في الحلقة الأولى إن شاء الله تعالى

  4. #3


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: حكايتي مع اللغة الفرنسية بقلمي أ. عمر

    الحلقة الأولى: بداية الكابوس

    بدأ كابوس اللغة الفرنسية يتجلى لنا بأنيابه المرعبة في الصف الأول من المرحلة المتوسطة.
    رغم أن الأستاذ كان يقرأ الدرس ويشرح كل كلمة بكلمتها، ما جعلنا نشعر بأننا قد ابتدأنا نضع أقدامنا بثبات في درب تعلم اللغة الفرنسية، إلا أن أمرين اعترضا هذا الأمر، وحوَّلا المسألة إلى مصيبة حقيقية!

    إنه أستاذ مادة علوم الحياة ال biologie الذي لعب دورًا تعيسًا في مضاعفة كراهيتنا مادة اللغة الفرنسية، فلقد كانت تلك السنة هي أول سنة دراسية نأخذ فيها مادة العلوم باللغة الفرنسية، والأستاذ كان لديه مبدأ أن الدرس يجب أن يكون كبيرًا، والمسابقة من عشرين سؤالًا (فقط)، لكل سؤال علامة واحدة، وأي خطأ؛ مهما كان؛ حتى لو أنه خطأ إملائي، يُشطَب معه الإجابة بالكامل، لأنه لا يعترف بأنصاف العلامات، بل وكان يعطينا أحيانًا درسًا كبيرًا ويخبرنا أنه سيجري لنا مسابقة اليوم التالي، ويجب علينا أن نكتب الدرس بأكمله! وفي إحدى المرات أعطانا عشرين جملة، وطلب إلينا أن نضع لكل جملة سؤالًا، ونحن قد حفظنا الإجابات ولم نتوقع أن يكون علينا حفظ الأسئلة، وهكذا نال 26 تلميذًا أقل من 10 علامات، أي أن مجموع علاماتنا (جميعنا معًا) لم يصل إلى 10 علامات، وذلك لأن أكثر من 20 تلميذًا (فقط) نال صفرًا! حاولنا؛ رغم ذلك؛ أن نقوي أنفسنا ومستوانا في اللغة الفرنسية، ولكن أستاذ المادة تم تغييره بغتة، تحديدًا بعد عطلة رأس السنة، لنفاجأ بعدها بأستاذ آخر، (يبشِّرنا) بأننا سنخرج من صفه آخر السنة نتكلم اللغة الفرنسية كأهلها، بل لن نطيق أن نشاهد أفلام الكرتون نفسها إلا باللغة الفرنسية (ولا أدري كيف، لم يكن في وقتنا أكثر من محطتين تلفزيونيتين فقط، وبالكاد تعرض واحدة منهما فلم كرتون واحد، وباللغة العربية)! و(المصيبة) أننا صدقناه، وأذكر أننا أخذنا نتصافح بسعادة فيما بيننا، ونهنئ بعضنا على هذا (الإنجاز الرائع) الذي حققناه!

    لكن لم يطل الأمر حتى استيقظنا من غفلتنا وأوهام الوعود، فالأستاذ صرخ غاضبًا مستنكرًا حينما وضعنا كتب اللغة الفرنسية أمامنا، وأخبرنا بأنه لن يلجأ إلى هذه الوسائل (العفنة) في التدريس، فأرجعنا الكتب إلى حقائبنا، ليخرج هو من حقيبته دفترًا مهترئًا (ربما كان يكتب فيه، وهو تلميذ، قبل الحرب العالمية الثانية على الأرجح)، وأخذ يقرأ بسرعة خيالية لا تصدق، والأحرف تتداخل ببعضها، عدا عن لدغة غريبة بأكثر من عشرين حرفًا (فقط)! تصبب العرق من وجوهنا، ونحن ننظر إلى بعضنا بِحَيرة شديدة، وما كاد الأستاذ يعلن أنه أنهى القراءة، حتى ارتفعت أصواتنا بالهتاف الفرح السعيد، والذي لم يلبث أن خبا، فالأستاذ أعلن أنه سيقوم بطرح الأسئلة علينا، ليسجل العلامات!
    وكما لم يبالِ الأستاذ بالهتافات السعيدة، لم يبالِ بصيحات الاستنكار الحادة كذلك، بل نظر في لائحة الأسماء، ثم هتف بلهجة انتصار بكلمة لم يفهمها أحد، كأنه ينادي تلميذًا فرنسيًا، بل إننا نشك حتى أن فرنسا نفسها فيها مثل هذا الاسم، وكرر الأستاذ الاسم عدة مرات، ونحن نتبادل النظرات المحتارة والابتسامات الشامتة، قبل أن يصيح الأستاذ بلغة مفهومة (أخيرًا):"كلكم هنا، لا يوجد غائب"، وانطلق الأستاذ في وابل من السباب والشتائم على صاحب هذا الاسم الغريب الذي لم يسمع به أحدنا في حياته، ثم هتف الأستاذ بنفاد صبر، مكررًا مؤكدًا: "لا يوجد غياب في الصف، وإذًا هذا الـ... الذي أناديه موجود! فلماذا لا يرد... الرقم 15"؟

    اتسعت أعين التلاميذ في دهشة واستنكار، لكني كنت أكثرهم دهشة واستنكارًا، كيف لا أكون كذلك، والرقم 15 هذا هو رقم ترتيبي الشخصي في الصف! أي أن الأستاذ يناديني أنا!! يناديني باسم لم يسمع به أي منا، لا أنا ولا غيري، في هذا الصف!

    تابعوا معنا

  5. #4


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: حكايتي مع اللغة الفرنسية بقلمي أ. عمر

    الحلقة الثانية: أسماؤنا الجديدة

    تصوروا أن الأستاذ كان يناديني أنا! ولكن أي اسم هذا؟! نظرتُ إلى الأستاذ هاتفًا باستنكار: (هل كنتَ تناديني أنا)؟! رد الأستاذ مغتاظًا: (وما رأيك أنت)؟ أجبته بلهجة الاستنكار نفسها: (هذا ليس اسمي، بل إنني لم أسمع بهذا الاسم من قبل...) قاطع الأستاذ كلامي معترضًا: (ومن يكون؛ إذًا؛....)؟
    أعتذر، لم أجد حرف (الغين) باللغة الفرنسية أطبعه لكم، ولا حرفًا بين (الكاف) و(القاف)، إضافة إلى صعوبة نطق لفظ على غرار (كيوغاييفا) على سبيل المثال!
    ولكن لفظ الاسم بهذه الطريقة الدولية لم يكن المصيبة، بل إن المصيبة الفعلية أن الأستاذ ألقى عليَّ سؤالًا ما، حول ما قرأه علينا منذ قليل، وأنا لم أفهم؛ لا القراءة ولا السؤال! فأخذتُ أنظر إليه بِحَيرة، وهو يردد سؤاله بغباء تام، حتى أدرك (أخيرًا) أنه لا فائدة، فانطلق يَسُبُّ ويشتم، ويلعن الغباء وقلة الفهم! ثم أعلن أنه سيسأل تلميذًا آخر (ذكيًا)، ولكنه رحمنا؛ هذه المرة؛ من محاولاته لفظ أسمائنا، بل أخذ يشير إلى كل واحد ويعيد سؤاله، ليقابَل بِرَدَّة فعل واحدة، وهي نظرة خاوية غبية تَدلُّ على عدم الفهم، والأستاذ يَسبُّنا جميعًا!
    ويبدو أن الرحمة قد هبطت على رأس الأستاذ فجأة، إذ إنه ابتسم قائلًا بهدوء إنه سـ(يتفضل) علينا (هذه المرة فقط) بإعادة القراءة مرة أخرى، ومن بعدها سيطرح علينا الأسئلة، ومن لا يجيب سينال صفرًا، وهكذا انطلق الأستاذ مرة أخرى في قراءته المنكرة هذه، والأحرف تتداخل ببعضها، مع لدغاته العجيبة وحروفه التي لم نسمع بها من قبل، ثم أشار إليَّ طارحًا سؤالًا ما، ولم أقابله هذه المرة بأي نظرة خاوية، بل أجبتُ بمنتهى (الحماسة) و(الذكاء) إجابة صحيحة تمامًا، وهي؛ وبكل بساطة؛ (لا أعرف شيئًا)!
    وبِغَضِّ النظر عن (الانفجار) الرهيب الذي تجلى في صراخ الأستاذ بما لا يُفهَم من السباب هذه المرة، إلا أنني لم أتأثر، بل أدركتُ مدى صحة ودقة إجابتي بعد ذلك بقليل، وأدهشني ذلك، إذ إني لم أكن أعلم أنني (قدوة) إلى هذا الحد! كل رفاقي أعادوا وكرروا إجابتي هذه بحرفيتها، من دون أدنى تغيير فيها، والأستاذ؛ كعادته؛ يسب ويلعن غباءنا، ويسبنا ويلعننا قبل غبائنا!

    وهكذا اجتمعتِ الطامتان فوق رأسنا، اللغة الفرنسية، والعلوم باللغة الفرنسية، وتدنَّتِ العلامات كثيرًا، ورسب عدد منا لم يكن يرسب من قبل، أما أنا فنجحت، ولكن على علامة ونصف فقط، وكان مجموعي في الصفوف السابقة جيدًا جدًا على الدوام!
    واشتكى هؤلاء الراسبون إلى المدير، وأخبروه كل شيء بالتفصيل، خاصة أن الأستاذ يطلب كل يوم أن يرى ال devoir ونحن لا نعلم أي devoir هذا! وتكون النتيجة أنه يمنحنا صفرًا على العمل في الصف، ووعد المدير رفاقنا خيرًا، وأنه سيحلُّ المسألة في اليوم ذاته، وهكذا؛ وفي حصة اللغة الفرنسية أتى المدير، أتى ليحلَّ المشكلة، وكان حلُّه عبقريًا فعلًا!
    وهل هناك حل عبقري أكثر وأروع من أن المدير قد أخبرنا بأننا لا نقدِّر هذا الأستاذ الذي يُجدِّد لنا في طرائق تدريس اللغة الفرنسية، وأن علينا أن ننتبه إلى ما يقول، وندرس الدروس في الكتاب جيدًا، ونكتب كل الوظائف المنزلية، وسننجح حتمًا! ولم نفهم مع من كان رفاقنا يتكلمون بالفعل؟ لقد احتقنت وجوههم ، وهم يشرحون للمدير أنه لا يوجد كتاب ولا ما يحزنون! ثم من أين أتت هذه الوظائف المنزلية؟! نسمع الأستاذ يسأل كل يوم حينما (يتحفنا) بدخوله الصف عن الــ
    (Devoir)، ولكن أي (Devoir) وهو لا يكتب لنا شيئًا نهائيًا، ولا يسمح لأحد أن يحاول أن يكتب مما يقوله شيئًا! (هذا إن تمكن أحد أساسًا من كتابة كلمة واحدة صحيحة من خلف هذا الأستاذ الذي يلدغ بعشرين حرفًا)!
    وما أثار استنكاري بعد ذلك، أن دخل الأستاذ _ربما بعد يومين أو ثلاثة_ الصف، متسائلًا من يكون (عمر قزيحة)، وطبعًا نطقها بلهجته العالمية التي ذكرناها لكم من قبل، وما كدت أرد، حتى أخذ يشتمني، وأنا في حَيرَة من أمري ومما يحصل!

    تابعوا معنا

  6. #5


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: حكايتي مع اللغة الفرنسية بقلمي أ. عمر

    الحلقة الثالثة: شتائم لأننا أغبياء ومبدعون!

    أخذ الأستاذ يشتمني بألفاظ في غاية القبح، وذلك لأنني شكوتُه لأنني لا أفهم الفرنسي! خطر لي أن هذا الأستاذ (معتوه) رسميًا، فأنا لم أشارك زملائي الشكوى، حتى لو كنتُ قد فعلتُ فإن الشكوى قد حصلت وأتى المدير إلى الصف، وانتهى الأمر، فما الذي أصاب الأستاذ بعد ذلك؟
    (شو عدا ما بدا) كما نقولها باللبنانية، أو كما نقول كذلك (يطعمك حجة والناس راجعة)؟؟
    علمتُ؛ فيما بعد؛ أن والدي لم يرض إطلاقًا عن مجموع (2،5/60) على اللغة الفرنسية (ويعلم الله من أين حصلتُ عليها)! وأتى المدرسة وكلم الأستاذ بكل هدوء، وكيف أنه يجب أن يشرح للتلاميذ ويقودهم عبر دروب المادة بسهولة، وانفعل الأستاذ ليخبر والدي أنه يعطينا نصوصًا عن (الشانزليزيه) الذي لم نسمع به في حياتنا لشدة جهلنا!
    اعترض والدي على ذلك، وطلب إلى أستاذ اللغة الفرنسية أن يتعامل مع تلاميذه بواقعية شديدة، ويحاول أن يحببهم بالمادة بدل تنفيرهم منها (والدي أستاذ، واختصاصه لغة عربية)، وغادر والدي بوعود إيجابية من الأستاذ، ثم كان من الأخير ما كان من السباب والبهدلة، واتهامي بعدم الفهم لأني شكوته لوالدي!

    ومن بعد ذلك، قرر الأستاذ ذات مرة_ وأخيرًا حصلت المعجزة_ أن يجري لنا مسابقة خطية، ولكم فرحنا بذلك! ليس لأننا سننال العلامات الخيالية طبعًا، بل لأننا سنرتاح حصة من كابوس القراءة اللعينة التي يتحفنا بها، والأسئلة الإعجازية التي يطرحها علينا، وسبابه لنا، كما أننا؛ لأول مرة في حياتنا؛ لن نكون مطالبين بمراجعة الدروس للمسابقة، إذ إننا لا نعرف شيئًا عن هذه الدروس التي يعطيها الأستاذ، يا لسعادتنا!
    اجتمعنا وقررنا؛ نحن التلاميذ؛ ألا نكتب ولا كلمة في المسابقة، ثم تغير رأينا تمامًا حينما دخلنا الصف، إذ وجد كل واحد منا على طاولته عشرة أوراق قد تم كبسها، وهذه كانت المعجزة الأولى، إذ إن المسابقات قبل ذلك كانت تُكتَب لنا على اللوح، أما المعجزة الثانية، فهي أن الأستاذ أخبرنا أن ال(prenon) يُكتَب قبل ال (non) باللغة الفرنسية بخلاف اللغة العربية!
    صحيح أننا كنا (عباقرة) ونعرف ما هو ال (non)، لكننا لم نسمع من قبل، على الإطلاق، عن هذا ال (prenon)! والمعجزة الثالثة أن المسابقة لم تكن أسئلة تتطلب أجوبة، بل كانت جملًا صغيرة، وبجانب كل جملة احتمالان: (vrais، faux).

    أما الأسوأ من ذلك، فكان أن المسابقة 100 سؤال فقط! والمدة 45 دقيقة! أما كيف وازن الأستاذ بين وقت المسابقة وعدد الأسئلة، فهذا ما لا نستطيع إدراكه حتى الآن! وطبعًا كان قرارنا واضحًا، سنؤلف الإجابات! هكذا ببساطة، هذه الجملة (vrais) وتلك (faux)، ولكن الأستاذ (الألمعي) أخبرنا؛ كأنه قرأ أفكارنا التي فكرنا بها؛ بما هو أسوأ وألعن من كل ما سبق!
    إن هذا الأسلوب، في رأي الأستاذ، في الإجابة يعني الاحتيال، وبالتالي سيشطب الإجابات جميعها، ثم أخبرنا؛ كأنه قرأ أفكارنا التي لم نفكر بها بعد؛ بأن اختيار إجابتين (vrais) وراء بعضهما، يعني الاحتيال، وكذلك اختيار إجابتين (faux) متتاليتين، وسيشطب الإجابات كذلك، حتى احترنا فيما نكتب ونختار!
    قام عدد كبير من التلاميذ بتسليم أوراقهم كما هي، ليرتاحوا من هذه الأفخاخ الغريبة التي ينصبها الأستاذ، فيما جرب عدد آخر حظهم، ومنهم أنا، وأخذنا نضع إشارة الصح هنا وهناك عشوائيًا، بل إن بعضنا اختار لكل الجمل التي طرحها الأستاذ، الاحتمالين معًا، فكل جملة هي صواب وهي خطأ، والله أعلم كيف خطر لهم هذا!

    ولم يطل الأمر بنا، اليوم التالي تحديدًا، فوجئنا بالأستاذ يدخل كالعاصفة لينادي باسمي، ثم يبدأ بالسباب والكلام الجارح، كأنما يعيد التاريخ نفسه، طريقة الدخول نفسها، واحتقان الوجه مثل ما كان بالأمس، والصراخ بتلك الألفاظ التي لا ينبغي أن تصدر من أستاذ، ولكن السباب حمل هذه المرة اختلافًا جوهريًا، المرة الماضية شتمني الأستاذ لأنني (لا أفهم)، واليوم يشتمني لأنني (مبدع)! ما شاء الله!!

    تابعوا معنا

  7. #6


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: حكايتي مع اللغة الفرنسية بقلمي أ. عمر

    الحلقة الرابعة: شكوك عميقة


    فوجئنا؛ وقتئذ؛ بالأستاذ يدخل كالعاصفة لينادي باسمي، ثم يبدأ بالسباب والكلام الجارح، وكل ذلك لأنني (أتغابى) وأدعي أنني لا أفهم اللغة الفرنسية، بينما أنا (مبدع) بها! والدليل أنني أخذت 32.5 من 100 في المسابقة!
    ولا أدري كيف تعني علامة منخفضة تحت المعدل بهذا الشكل (الإبداع)، لكن الغيظ الحقيقي كان في ما أعلنه الأستاذ، لقد (شكَّ) حضرة جنابه أنني لجأت إلى الاحتيال في عدد من الاختيارات، فشطبها جميعًا، وهي صحيحة، ولولا ذلك لكانت علامتي 60 من 100، وهناك احتمال واحد، لم يحمِّل الأستاذ ضميره احتسابه خطأ بالكامل، فقد يكون احتيالًا وقد لا يكون، فمنحني نصف علامة عليه (ليزول الغموض من أين أتى هذا النصف)!


    والحقيقة أن هذا الأستاذ محق في شكوكه(العميقة) (المدهشة) هذه! فأنا؛ مثل كل رفاقي؛ لم نفهم شيئًا إطلاقًا من كل الجمل المكتوبة أمامنا، لكني لم ألجأ إلى (الاحتيال) كما يدعي، بل اخترت الإجابات عشوائيًا، أما كيف رأى أن 32 إجابة منها صحيحة بالكامل؟ و27 إجابة احتيال؟ وإجابة تحتمل الأمرين؟ فهذا ما لم أفهمه ولم أحاول أن أفهمه حتى، لأنني _ جاء دوري في الشك العميق_ شككت أن يكون الأستاذ نفسه يفهم ذلك!
    ولم أكن المحور الأساس هنا، فما نالني من السباب، نال زميلي أضعافُه، وزميلي هذا كان الأول على ترتيب الصف، وكان جيدًا في اللغة الفرنسية، لكنه؛ عند هذا الأستاذ؛ تساوى بنا تمامًا، زميلي (فهم) بعض الجمل في المسابقة، فاختار إجابات صحيحة، ونال 50 من 100، وبالتالي حصته من السباب كانت أعلى!
    وكذلك شكَّ الأستاذ شَكَّه العميق، أن رفيقي قد (احتال) في 15 إجابة، فشطبها، وإلا لنال 65 بدلًا من 50، وأعتقد أن رفيقي كان يشكر الله تعالى، كما فعلت أنا، لهذه الشكوك المدهشة، وإلا لنالنا من السباب ما لا تكفي حصة واحدة لسماعه، بل لإلقائه على مسامعنا من قبل الأستاذ.
    ومع أن السباب عمل غير أخلاقي وغير تربوي، إلا أن المنطق انعدم عند الأستاذ تمامًا، فلو أراد أن يسب ويشتم، فإن أمامه من قدموا المسابقات بيضاء كما هي، ولكنه أخذ يمتدحهم لأنهم نالوا الصفر بكل (ضمير) و(شرف) ولم يكونوا مثلنا (غشاشين)، وقد صمَّ أذنيه عن حسراتهم الأليمة: ليتنا (خرَّفنا) مثل رفاقنا لننال بعض العلامات!
    والفرحة لا تكتمل، فاللغة الفرنسية لها 60 علامة لا 100، والأستاذ قسم العلامة على 5، لتصبح علامتي 6 من 20 (لم يعترف الأستاذ بأنها تصبح 6،5، ولا أعرف لماذا)؟ ولكم بَدَا لي أن هذه العلامة من عالم الخيال والخرافات، لأنها تفوق معدلي التعيس الشهر الماضي بأضعاف مضاعفة، وفارق كبير بين 6/20، و2.5/60، مع أن هذه الست علامات غير صافية فهناك مجال آخر، منحنا الأستاذ جميعًا عليه صفرًا، وبالتالي العلامة ستصبح 3/20، نضيف إليها علامة من هنا وعلامة ونصف من هناك، لأجد أنني متقدم بثلاث علامات (مثل ما هي) في المعدل العام عن الشهر الفائت!

    وبهذا الأسلوب مرَّت تلك السنة التعيسة، لم يَعُد الأستاذ إلى أسلوب المسابقات التي تحتمل الإجابتين، وذلك بسبب (شكوكه العميقة) التي تكاد ترقى إلى مستوى التأكد واليقين، بأننا غشاشون محتالون، لا أمان لنا! ولا أفهم حقيقة، صف من شعبتين، أي أن مجموع الطلاب كان أكثر من خمسين طالبًا، اثنان أو ثلاثة فقط من الخمسين حاولوا الإجابات، و(يشك) الأستاذ أنهم احتالوا في الإجابة وغَشُّوا بها (لا تسألوني عَمَّن غششنا)، فيمتنع الأستاذ عن إعادة هذا النوع من المسابقات طيلة السنة الدراسية.

    لقد تجاوزنا تلك السنة بصعوبة شديدة، وشبح الرسوب يحوم حولنا، ولم نصدق أننا ترفعنا إلى الصف الأعلى، ولكن... هناك عقبة كبيرة رغم نجاحنا، وتهددنا بإعادة الصف، لقد وقعنا في فخ (الإكمال)، بسبب علامتنا المنخفضة في اللغة الفرنسية، وكان لا بد من امتحان (إكمال) بداية السنة الدراسية اللاحقة، فإما أن ننجح به ونترفع إلى الصف الأعلى فعليًا، وإما أن نرسب ونعيد الصف، وضاعت الإجازة الصيفية كلها في الدرس، مع أننا لم نكن نعرف ماذا ندرس، وهل ما ندرسه سيفيدنا أم لا، وحان وقت امتحان الإكمال، ويا للكارثة! أسئلة لم نسمع بها في حياتنا قط! أدركنا أننا سنعيد السنة الدراسية، وملأ اليأس قلوبنا، ولكن المعجزة حصلت، من غير أن نتوقع أو ننتظر... لقد أتى أستاذ آخر في المدرسة إلى صفنا، قبل أن نسلم أوراق الامتحان ونخرج وقد ضمنا الصفر المدوي، ليطلب من أستاذ المادة أن يكلم المدير، وما كاد أستاذنا العبقري يخرج، حتى انطلق الأستاذ الآخر يكتب لنا الحلول بسرعة كبيرة على اللوح، ونحن ننقلها خلفه، ثم أسرع يمحو اللوح ويخرج قبل أن يرجع الأستاذ الأول!
    ومع ذلك، وضع لنا الأستاذ صفرًا، وذلك لأنه (شَكَّ) بأننا قد غششنا عن بعضنا في هذه الدقائق الثلاث التي خرج بها من الصف!

    تابعوا معنا



  8. #7


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: حكايتي مع اللغة الفرنسية بقلمي أ. عمر

    الحلقة الخامسة : سألوا الديك ليه بيصيح!

    كدنا نرسب بسبب شكوك الأستاذ، ولا أدري كيف شَكَّ بنا! ليس لأننا لم ننقل، فمن الحماقة أن نتجاهل الإجابات التي تُكتَب لنا على اللوح، ولكن الأستاذ الذي كتبها كان متعجلًا، ويدرك أن الوقت محدود، لذا كان سريعًا في الكتابة والمحو، وبالقطع لم نتمكن من نسخ كل ما كتب، كما أن بعضنا كتب أكثر من الآخرين، لتفاوت السرعة في الكتابة بين تلميذ وآخر، ولكن الأستاذ منحنا صفرًا من دون تردد، وكان هذا الأمر يعني رسوبنا وإعادتنا السنة الدراسية لولا تدخل الإدارة هذه المرة، ولا أعلم قطعًا ماذا تم في غرفة الإدارة، ولكني أعلم أننا حصلنا على المعدل الأدنى للنجاح لنترفع صفًا آخر، ونحن ندعو الله تعالى أن لا يضع في دربنا هذا الأستاذ مرة أخرى، ولا أستاذًا مثل أستاذ علوم الحياة، لأننا لا نضمن تكرار المعجزات.
    وبالفعل، في الصف اللاحق، كان الأستاذ مختلفًا، وإن كان أستاذ علوم الحياة يشرح لنا من قلبه، فإن أستاذ اللغة الفرنسية بدأ بحماسة شديدة، معلنًا أننا جميعًا (أولاده) و(في عينيه)، وسيشرح لنا كل ما نريد، وقتما نريد، وأنه يحب _ وكثيرًا جدًا جدًا _ من يسأله عما لا يفهمه في الدروس، لأن هذا دليل انتباه واجتهاد، وما إلى هذه المفردات الحماسية التي لا تقدم شيئًا ولا تؤخر، ما لم يتم تنفيذها عمليًا.

    وقد لمسنا تنفيذها فعلًا! قرأ الأستاذ الدرس الأول، متوقفًا عند ثلاث أو أربع كلمات فحسب، ليذكر معناها متجاهلًا كل ما عداها! وبعد انتهائه من الدرس وقف هاتفًا بحماسة شديدة: (من لديه سؤال؟ من لديه كلمة لم يفهمها لأشرحها له؟ تذكروا أنني أحب أول من يسألني دائمًا، بل _ولن أخبركم من الآن_ أزيد لهم في العلامات في المعدل العام! من أول من سيسألني)؟
    كدتُ أرفع يدي هنا، وذلك كي (يحبني) هذا الأستاذ، و(يزيدني) علامات في المعدل العام، ولكن رفيقي الجالس بجواري سبقني برفع يده، ولا أعلم إن كان سائر التلاميذ قد فعلوا، كل ما أعلمه أن رفيقي سبقني، وأن الأستاذ طلب إليه أن يسأل ما يريد، شعرتُ بالحسرة بادئ الأمر، وحسدتُ رفيقي الذي وقف مبتسمًا، هاتفًا بسعادة غامرة: (أستاذ، ما معنى ...)؟

    ألقى رفيقي بسؤاله حول كلمة لم يفهمها في النص، ولم يشرحها الأستاذ، وتوقعنا الإجابة، ولقد أتتنا هذه الإجابة كدرس قاس! إذ انقض الأستاذ على رفيقنا ليمسك له بشفته ويشدها إلى الأمام بعنف، قبل أن يهوي على خده بصفعة مدوية، رنَّت في قاعة الصف، والأستاذ يصرخ بجنون: (هل أنت جحش؟ ماذا كنتُ أنا أفعل من قليل؟ ألم أكن أشرح للحمير أمثالك؟ يبدو أنك تيس حقيقي كي تسألني عن هذه الكلمة)!
    وأعتذر لهذه الألفاظ، ولكنها الأكثر تهذيبًا في لغة الأستاذ! ثم إنها كانت درسًا للجميع، ليعلمهم كيف يطلبون (محبة) الأستاذ عبر (سؤاله) عما لا يفهمون! أما أنا فوجدتُ نفسي أردد (الحمد لله) من وقتها وحتى نهاية الحصة، لأنني لم أسبق رفيقي برفع يدي!

    ويبدو _ على الأرجح _ أن والد هذا التلميذ أتى اليوم التالي ليسأل عن سبب احمرار وجه ابنه، وما (الذنب) العظيم الذي ارتكبه بسؤاله عن كلمة لم يفهمها! إذ لانت لغة الأستاذ معنا بعد ذلك، ولكن ليس دائمًا، ظلت مفردات الحيوانات حاضرة على لسانه، إنما بسبب أعمق من أن يسأله تلميذ عن كلمة لم يفهمها، بل انعكست الآية هنا، الأستاذ يعطينا درسًا، ويشرح ثلاث أو أربع مفردات فقط، ولكننا مسؤولون عن معرفة كل المفردات في الدرس!
    وكيف ذلك؟ لا نعلم! والحمد لله أن أختي الكبرى كانت ماهرة في اللغة الفرنسية، وقد تبرعت بشرح المفردات في كل درس، لأحفظها أنا بصعوبة، وأنقذ نفسي حينما يسمِّع لنا هذا الأستاذ، وإذ اقترب توزيع العلامات الشهري، تفتق ذهن الأستاذ عن طريقة جديدة في التعامل معنا، قوامها أنه _ ليشجع التنافس فيما بيننا _ يسمح فقط لأصحاب المراكز الثلاثة الأولى بطرح أسئلتهم عليه، وما عداهم لا يُسمَح لهم بالسؤال نهائيًا، وأخبرنا أنه يفعل ذلك لأجلنا نحن (يا للقلب الحنون)!

    والجدير بالذكر أن هذا الأستاذ الرائع، قبل أن يقترب توزيع العلامات و(يتحفنا) بقراره العبقري هذا، كان كلما قرأ درسًا سألنا بحماسته المعهودة إن كان هناك من كلمة لم نفهمها ليشرحها لنا، وأنه يحب من يسأله، ويزيد له في العلامات، ولكننا لسنا حمقى لنقع في الفخ مرتين، أو هكذا نظن برفاقنا، لنفاجأ بأن بعضهم يخطئ ويسأل، لينقض عليه الأستاذ كالوحش الثائر ويمط له شفته وينهي الانقضاضة بصفعة مدوية!
    وربما ليست هذه بحماقة منهم، بل إنها محاولة اليائسين، إذ إننا مسؤولون عن كل المفردات في الدرس، والأستاذ يسمِّعها لنا اليوم التالي، ومن لا يعرف، يكون نصيبه صفعة مدوية وبضع نعوت تنتمي؛ كالعادة؛ إلى عالم الحيوانات، وأحيانًا إلى ما هو أسوأ، والحمد لله دومًا وأبدًا على مساعدة أختي الكبرى لي في هذا المجال!

    ولكن قرار الأستاذ بالسماح للثلاثة الأوائل بسؤاله ما يشاؤون، متى يشاؤون، لا يعني ختام الأحزان نهائيًا! ففي جعبة الأستاذ (خطط) عالمية مدهشة للتهرب من أي سؤال يُطرَح عليه، وكل الأسئلة _ من دون استثناء _ كان لها إجابة واحدة يتيمة فريدة من نوعها لا ثاني لها قط (سألوا الديك ليش بيصيح، قال لهم كل شي بوقته منيح)!!
    وتنوعت أساليب الأستاذ الرائعة في العطاء، فلقد تحولت حصصه إلى مغامرات تصلح أن تكون حلقات في الأنمي الياباني! مع أننا كنا نعرف وقتها فقط بوجود أفلام الكرتون، ولا نعلم مصدرها، وكل ما نشاهده إما سندباد وإما غرندايزر، إضافة؛ طبعًا؛ إلى توم وجيري، والنمر الوردي، إذ لم يكن لدينا سوى محطتين تلفزيونيتين، وأقصى ما تقدمه إحداهما فلم كرتون واحد فحسب، ولكن الأستاذ تفوق على الدبلجة العربية، بل وتفوق على المؤلفين اليابانيين، في المجاز والخيال، فكان يحكي لنا كيف ذهب إلى الصيد، ومعه بندقية (دك)، ورأى عشرة صيادين، كل واحد معه بندقية (جفت)، يقفون على بعد متر واحد فحسب من غصن يقف فوقه مجموعة من العصافير، والصيادون (الحمقى الأغبياء العميان البلهاء...إلخ) يطلقون النار بغزارة شديدة، ولا يصيبون ولا عصفورًا واحدًا، أما هو(القناص الرائع المحترف المدهش العبقري الفذ... إلخ) فلم يكن في بندقيته سوى رصاصة (واحدة يتيمة لا أم لها ولا أب ولا أخ لها ولا أخت...إلخ)!

    هل أعجبكم هذا الدرس وأضاف شيئًا إلى لغتكم الفرنسية؟ ربما يكون الأمر ذلك، إذ رواه لنا الأستاذ عشرات المرات، بالتفاصيل نفسها، ولنزدكم فهمًا باللغة الفرنسية، نتابع لكم الدرس الرائع بلحظاته الحاسمة، الأستاذ من طرف يده، ومن دون أن يصوب نحو العصافير، يطلق رصاصته الوحيدة، لكن بالعرض لا بالطول، لتخترق الرصاصة عنق العصفور الأول وتتابع إلى العصفور الثاني فتخترق عنقه، وتتابع إلى العصفور الثالث، فالرابع.... وهكذا، بكل بساطة، أسقط الأستاذ عشرة عصافير قتلى، وبرصاصة واحدة، من دون أن يصوب حتى، وذلك لأنه أطلقها بالعرض لا بالطول!
    ولو أن القصة كانت للترويح عن النفس، لكان ذلك هينًا، ولكنها تأتي ضمن الدرس، يرويها الأستاذ بتمهل شديد، ذاكرًا كل التفاصيل، على غرار (ودخلت الرصاصة عنق العصفور الأول ليسقط قتيلًا، وقبل أن يسقط، أو يتحرك جسمه سنتيمترًا واحدًا، بل مليمترًا واحدًا، دخلت الرصاصة عنق العصفور الثاني ليسقط قتيلًا، وقبل أن يسقط، أو يتحرك جسمه سنتيمترًا واحدًا، بل مليمترًا واحدًا، دخلت الرصاصة عنق العصفور الثالث ليسقط قتيلًا، وقبل أن يسقط...) إلى أن ينهي لنا حكايته عن العصافير العشرة، ليصل بنا من كل هذا الهراء، أن العصافير لم تمت في وقت واحد، ولكنها سقطت ميتة في وقت واحد! وهذا دليل على شدة براعته النادرة في الصيد! (كيف ذلك؟ لا أعلم)!

    وبعد هذا نحن مسؤولون عن الدرس بأكمله! كان الأستاذ؛ على الأقل؛ يقرأ الدرس كاملًا، وإن لم يكن يشرح منه سوى ثلاث أو أربع مفردات، أما الآن فلم يَعُد يقرأ سوى بضع كلمات! ونحن سنحاسب على الخطأ في اللفظ حينما يسمِّع لنا، ولا أفهم حقيقة أبعاد هذه الخطة التربوية التعليمية التي كان يحملها لنا! لكني أذكر أننا _ في إحدى المرات التي روى لنا فيها هذه الحكاية_ سألنا؛ كالمعتاد؛ إن كان هناك ما لم نفهمه في الدرس! ورفع أحد رفاقنا يده طالبًا السؤال، ليجيبه الأستاذ بحكمته الدولية، قبل حتى أن يسأل (سألوا الديك ليش بيصيح قال لهم كل شي بوقته منيح)، ولكن رفيقنا صاح بالأستاذ غاضبًا (هل كان يقف على الغصن عشرة عصافير يا أستاذ، أم عشرة حمير؟! أم أنك تظننا نحن الحمير لنصدق أن العصافير ظلت واقفة على الغصن، ورفاقك يطلقون عليها النار، من دون أن تهرب؟ هل كانت هذه العصافير تنتظر حضرتك لتتكرم عليها بإطلاق النار وهل تظننا حميـ...)؟ ولم يكن هناك من داعٍ لإتمام السؤال! لقد امتدت شفة المسكين أمامه أكثر من طاقتها حتى كادت تتمزق، وكادت طبلة أذنه تتمزق مع تلك الصفعات المدوية، والأستاذ يصرخ به مؤكدًا له أنه هو الحمار الأحمق، بل الجحش الذي ندر مثيله، بل... وتعدَّت ألفاظ السباب من الحيوانات إلى النجاسات! وفي النهاية وجد رفيقنا نفسه مسحوبًا من رقبته إلى خارج الصف، قبل أن ينهي الأستاذ (الملحمة) بركلة قوية في مؤخرة المسكين، وهو يلقي به خارجًا!

    وكما حصل السنة الماضية حصل هذه السنة، نزل وفد من رفاقنا إلى الإدارة ليشتكوا للمدير، ولقد استقبلهم الأخير بحماسة نادرة، طالبًا إليهم أن يطمئنوا، لأن الأستاذ لن يتابع معنا هذه السنة، وما كادت صيحات الاستبشار تنطلق من الأفواه، حتى جمد المساكين أماكنهم، فالصاعقة كانت أقسى من كل التوقعات! سيرجع إلينا أستاذ اللغة الفرنسية الذي كان يدرِّسنا السنة الماضية! ويا للبشارة الرائعة فعلًا!

    تابعوا معنا




    التعديل الأخير تم بواسطة أ. عمر ; 9-11-2017 الساعة 04:57 AM

  9. #8


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: حكايتي مع اللغة الفرنسية بقلمي أ. عمر

    الحلقة السادسة: production ecrite


    هَوَتْ (بشارة) المدير لرفاقنا على رؤوسنا كالصاعقة! سيعود أستاذ الـ(شانزليزيه) ليدرِّسنا مرة أخرى! ولم يفهم أستاذنا الحالي ما حصل وقتها، فمع انتهاء الحصة السابقة لحصة اللغة الفرنسية أصابنا الوجوم والكآبة، ونحن ننتظر دخول الأستاذ العالمي ذلك الذي سيجعلنا نقرأ ونتكلم ونكتب ونشاهد باللغة الفرنسية مثل (البلابل)، ولكنه نسي إضافة صفة (الخرساء) بعدها!
    وما إن دخل أستاذنا الحالي حتى شعرنا بسعادة غامرة لا مثيل لها، وانطلقت هتافات الفرح والسعادة من أفواهنا، الأمر الذي أدهش المسكين! وأظنه شعر بأننا قد فقدنا عقولنا ونحن نهتف بحياته وبقائه فوق رؤوسنا إلى أبد الآبدين، ما دمنا في هذه المدرسة، بل وحتى أن يرافقنا إلى الثانوية بعد ذلك!

    ولم يفهم الأستاذ لماذا نطلب إليه أن يبقى ولا يرحل، ومن هذا الذي قال إنه سيرحل؟ المدير يا عزيزي قال ذلك! وكما هوى الخبر علينا، هوى على أستاذنا كالصاعقة! إذ إن أحدًا لم يخبره بذلك، وطلب إليَّ الأستاذ أن أنادي أحد النظار ليحلَّ مكانه قليلًا، وما كاد الناظر يدخل حتى خرج الأستاذ مثل الصاعقة من الصف، ليغيب بعض الوقت، ثم يرجع إلى الصف عابسًا متجهمًا، ما جعلنا نشعر بالمرارة والأسى مجددًا، يبدو أنه سيغادرنا فعلًا، ومرة أخرى يظن الأستاذ بنا الظنون، إذ إنه انطلق يشتمنا بسبب هذا (المقلب) السخيف، والخبر (غير الصحيح)، فانطلقنا بالهتاف السعيد، بل وقام بعض زملائنا يريدون احتضان الأستاذ وتقبيل وجهه!

    أدرك الأستاذ؛ هنا؛ أننا لا نمزح، فما كان منه إلا أن طلب مني إحضار الناظر مرة أخرى، ولقد انزعج الأخير فعلًا، لم يكد يصل إلى غرفته ويرتاح حتى وجدني أطلبه ليحلَّ بدلًا من الأستاذ من جديد، وصاح الناظر غاضبًا (ماذا حدث؟ هل نسي الأستاذ أن لديه حمَّامًا في بيته، وتذكر ذلك اليوم، وقرر قضاء حاجته عن المرات السابقة)؟
    حاولتُ أن أكبت ضحكاتي بصعوبة شديدة، ولم أفلح في ذلك، ليس لطرافة الكلمات فحسب، ولو أن الأمر ذلك لتمكنتُ من تمالك نفسي ولو دقيقة أغيب بها عن وجه الناظر، لأضحك كما أريد بعدها، ولكن الناظر كان يصرخ! وأنا؛ من طبعي؛ لا أستطيع أن أرى أحدًا يصرخ أمامي من دون أن أضحك، حتى لو كان يصرخ في وجهي أنا!

    أفهمتُ الناظر أن الأستاذ لا يريد دخول الحمام، وأنه غادر المرة السابقة ليكلِّم المدير، وظننتُ أن الناظر قد فهم، ولكنه فاجأني بصراخ مدوٍّ آخر: (ماذا؟ هل تريد القول إن المدير قد تحول إلى حمام المدرسة)! وبصوت متقطع مرتجف من الضحك الذي لم أستطع، ولم أحاول، أن أكتمه، أخبرتُ الناظر أنني لا أتكلم عن المدير، بل إن الأستاذ يريد أن يكلم المدير، فسألني الناظر عن سبب ذلك!
    لا أعلم إن كنتُ وكيل أعمال هذا الأستاذ حتى يخبرني لماذا يريد أن يكلم المدير! وأوضحتُ للناظر ببساطة أنني لا أعرف شيئًا، نعم أعرف أن المرة السابقة كان خروج الأستاذ ليسأل المدير عن تغيير الصفوف، أما الآن فلماذا يريد أن يخرج، أعتقد أن هذا شأنه الشخصي، وهكذا يتكرر الأمر، الأستاذ يخرج، والناظر في الصف ينظر إلينا كأنه ينوي التهامنا لشدة غيظه وغضبه، ونحن نتمنى أن يرجع الأستاذ ليؤكد لنا أنه باقٍ معنا حتى نهاية السنة، وقد كان ذلك! أما الأستاذ السابق فسيتمُّ تغيير الشعبة التي يدرِّسها في الصف السابق، ليدرِّس الشعبة (ب) بدلًا من الشعبة (أ)، ولم يكن هناك من داعٍ لإتمام الكلام، فلقد انطلقت الهتافات السعيدة مرة أخرى.

    ومن وقتها، أخذنا ننظر إلى هذا الأستاذ على أنه صديقنا الرائع، ولقد حفظ لنا الأستاذ هذه المشاعر الطيبة تجاهه، فلم يَعُد يَشُدُّ أحدًا من شفتيه، ولا يصفع أحدًا، ولا يَسُبُّ ولا يلعن، ولكنه لم يستطع أن يتخلى عن قصته بقنص العصافير العشرة برصاصة واحدة، أطلقها بالعرض لا بالطول، ونحن نستمع إليه باهتمام شديد كل مرة يحكي لنا فيها هذه الحكاية، بل ونتفاعل معه واصفين الصيادين الحمقى بأنهم حمقى! وذاكرين أن أستاذنا هو أروع صياد في الكرة الأرضية، وما إلى ذلك الكلام، مع أننا نعلم أن كلامه غير صحيح، ولكن سعادتنا فاقت كل الحدود!
    بل إننا، شعرنا بالإدمان لسماع الحكمة العالمية (سألوا الديك ليش بيصيح، قال لهم كل شي بوقته منيح)، وهكذا كان أحدنا يسأل الأستاذ أي سؤال يخطر له، ومع الأستاذ نهتف جميعًا (سألوا الديك ليش بيصيح، قال لهم كل شي بوقته منيح)، ليقهقه الأستاذ مسرورًا ويصفنا بأننا أذكياء ومجتهدون، وأن المستقبل باسم أمامنا لنصبح أساتذة لغة فرنسية! (والعياذ بالله طبعًا)!

    ربما شعرنا بالامتنان لهذا الأستاذ لسبب غير حقيقي، أي أن هذا الأستاذ لم يفعل شيئًا حتى نحمل له هذه المشاعر، ولكن الأستاذ أخبرنا؛ فيما بعد؛ بأنه لم يتوقع أن ننكر الجميل وننسى المعروف الذي قدَّمه لنا من فترة بسيطة، وتحديدًا بداية السنة الحالية، في امتحان الإكمال، إذ دخل ينادي أستاذنا السابق، مدعيًا بأن المدير يريد أن يكلمه، بينما لم يكن المدير قد وصل بعد، ثم كتب لنا الإجابات على اللوح، لينقذنا من الرسوب، ولقد أدهشنا هذا الخبر بحق! كيف نسينا شكل هذا الأستاذ؟! أكان ذلك بسبب لهفتنا واندفاعنا لنكتب ما يكتبه لنا على اللوح وقتها؟! أمر عجيب فعلًا، وتضاعفت محبتنا للأستاذ أضعافًا مضاعفة، حينما أخبرنا بأن الأستاذ السابق منحنا جميعًا صفرًا، وأنه كان السبب في إنقاذنا!
    ومن هنا تحولت حصص اللغة الفرنسية، في غالبية أوقاتها، إلى قصة العصافير العشرة التي اصطادها الأستاذ برصاصة يتيمة لا ثاني لها، وإلى (سألوا الديك ليش بيصيح قال لهم كل شي بوقته منيح)، حتى انتهت تلك السنة، وللأسف، رغم كل تلك المحبة التي حملناها للأستاذ، وقع كثير من التلاميذ؛ ومنهم أنا؛ في فخ الإكمال مرة أخرى، فانقلبت محبة الأستاذ إلى كراهية وبغض، وأخذنا نقول لأنفسنا (هل أنقذنا هذا الأستاذ السنة الماضية ليتسبب برسوبنا السنة الحالية)؟

    ولكننا ظلمنا الأستاذ فيما يبدو! إذ دخل الأستاذ قاعة الامتحان ليسلمنا الأسئلة، ويكتب لنا الإجابات على اللوح! يا حبيبي! لقد أنقذتنا السنة الماضية من أستاذ آخر، واليوم تنقذنا من نفسك؟؟ ولكن هذا الأمر لم يحزننا قطعًا، لقد نسخنا الإجابات بأكملها، وسلَّمنا المسابقات، وخرجنا فرحين بالنجاح المؤكد.
    وهكذا ترفعنا إلى الصف الأعلى من دون أن نرسب والحمد لله، طبعًا كان هناك بعض الراسبين كعادة أي صف دراسي، المهم أن أستاذ اللغة الفرنسية في الصف الأعلى، دخل في الحصة الأولى ليخبرنا بأنه يريدنا أن نكتب production ecrite ليختبر مهارتنا، كان هذا الأمر جميلًا نظريًا، ولقد تلفظ الأستاذ ببضع كلمات، ليقابَل بنظرات خاوية من الفهم، ولكنه لم يستوعب ذلك بادئ الأمر، بل إنه أعاد الطلب بحماسة كي نكتب ال production ecrite والحمد لله أنه
    لم يقع بالسكتة القلبية حينما سألناه ما هو هذا ال production ecrite لأننا لم نسمع به من قبل في حياتنا كلها! وهَبَّ الأستاذ كالعاصفة يصرخ ويسب ويشتم... الغباء والأغبياء! ثم هددنا إما أن نكتب ما يريد أو نخرج جميعًا إلى بيوتنا مطرودين من المدرسة... أكدنا له أننا سنكتب ما يريد، ولكننا لم نسمع بالأخ برودي دركسيون كركبيت في حياتنا!...
    وانفجر الأستاذ كالديناميت، ثم انطلق نحونا يركل ويلكم كأننا في حلبة ملاكمة أو مصارعة حرة!

    تابعوا معنا



    التعديل الأخير تم بواسطة أ. عمر ; 23-11-2017 الساعة 08:50 PM

  10. #9


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: حكايتي مع اللغة الفرنسية بقلمي أ. عمر

    الحلقة السابعة: أساتذة غاضبون

    انطلق صراخ الأستاذ بكلمات كأنها مفرقعات نارية متتالية، قبل أن ينقض على التلاميذ يلكم هذا بقبضة يده، ويركل ذاك بقدمه، كأننا في حلبة ملاكمة أو كأننا نشهد ولادة مصارع حر جديد، وترافق ذلك؛ طبعًا؛ مع السباب والشتائم، ولا نعرف هل من واجبنا أن نكون عباقرة في اللغة الفرنسية، ونحن لم نتعلمها قط، وإلا فيجب أن ينالنا من الشتيمة ما لا يتلفظ به أولاد الشوارع!
    الحمد لله أن الأستاذ اكتفى بهذه النوبة الجنونية بتلاميذ الطبقة التي أمامه مباشرة، ولم يتابع إلينا، ثم فوجئنا به يخبرنا بأنه {عفا الله عما سلف}، وسيرجع إلينا ليخبرنا ويشرح لنا ما هو هذا ال بردوي دركسيون كركبيت... عفوًا، ال production ecrite! لقد نطقها الأستاذ بادئ الأمر كما فعلنا نحن، ولكنه لم يبدأ بتوجيه الضربات إلى جسده كما فعل برفاقنا، أو على الأقل كان عليه أن يشتم ويلعن نفسه كما فعل برفاقنا وبنا!

    وبعد جهد جهيد، فهمنا؛ أخيرًا، أن المقصود بهذا البرودي دركسيون كركبيت كما نسميه نحن، أو ال production ecrite كما يُصِرُّ الأستاذ، هو التعبير الكتابي، ومع ذلك لم نفهم شيئًا، إذ إننا لم نسمع بالتعبير الكتابي في حياتنا، وحتى باللغة العربية هناك إجابات عن أسئلة حول النص، وهناك موضوع إنشاء، وليس التعبير الكتابي، وسألَنَا الأستاذ؛ وهو ينظر محتارًا في نظراتنا المحتارة؛ هل يقفز من شباك الصف؟ أجبناه بأنه حر فيما يفعل، لينفجر في السباب والشتائم ويهاجم تلاميذ طبقة ثانية يلكم ويركل، ما دفع بنا جميعًا إلى التزام الصمت، لئلا يتواصل هذا الهجوم!
    ولم ييأس الأستاذ (يا له من مثابر)! بل كتب لنا بضع أسطر على اللوح طالبًا إلينا أن نكتبها خلفه، ففعلنا، وخرج الأستاذ قائلًا إنه سيعود بعد ربع ساعة، ليرى ماذا كتبنا، فنظرنا إليه باستغراب شديد، لقد أنهينا الكتابة معه، فلماذا يغيب ربع ساعة؟ لن يحزننا هذا قطعًا، ولكن هل يظننا نسير بسرعة السلحفاة في الكتابة حتى نستغرق ربع ساعة لنكتب أسطرًا قليلة؟!

    كانت فرصة جيدة لنا أن يخرج الأستاذ، لينهمك كل اثنين منا في حديث ودي، وطال غياب الأستاذ حتى تمنينا ألا يرجع حقيقة! ولكنه عاد بعد ذلك طالبًا إليَّ أن أعطيه دفتري، متسائلًا إن كنتُ قد كتبتُ جيدًا، فأكدتُ له أنني؛ بكل فخر؛ قد كتبتُ جيدًا ولم أخطئ خطأ واحدًا، والحمد لله تعالى! اتسعت ابتسامة الأستاذ المتفاخرة، وأمسك بدفتري يمتدحني، قبل حتى أن ينظر فيه، وما كاد يفعل، ما كادت عينه تقع على ما كتبت، حتى انفجر يصرخ ويولول، ويسألني لماذا لم أكتب، فنظرتُ إليه بدهشة عميقة متسائلًا فيما بيني وبين نفسي إن كان الأستاذ أعمى أم مجنون، أم أنه يعاني الأمرين معًا!
    ولكم أن تتخيلوا مشاعري البريئة، والأستاذ يسألني مجددًا لماذا لم أكتب، لكني لم أسكت عن حقي، فقلت له بحزم إنني قد كتبت، سألني الأستاذ بغباء شديد أين فعلت ذلك، فأشرت له إلى الأسطر التي أمام عينيه في الدفتر، وإلى نظيرتها على اللوح، وانفجر الأستاذ يولول بالتركماني على الأرجح، فأسرعت أبتعد عن متناول يديه قبل أن يبتدئ دروس الملاكمة، وبعدها دروس الركل!

    وقف الأستاذ، والشر يبدو في عينيه، فهتفت به أننا كلنا فعلنا ذلك، ونسخنا ما كتبه لنا على اللوح، وأخذ المسكين يصرخ مثل المجانين، مؤكدًا أنه كتب لنا هذه الأسطر كي (نحللها) لا كي (ننسخها)، وأبدينا استعدادنا لفعل ذلك، لكن بشرط أن يخبرنا ما المقصود ب(التحليل)، بل إن بعضنا تساءل محتارًا بكل ما في أعماق قلبه من الجهل هل الكلمات هذه يتم تحليلها مثل تحليل الدم!!
    عاد الأستاذ يصرخ ويولول، بما لا يُفهَم من الكلام، وتوقعنا الهجوم الثالث، لكنه لم يحصل بفضل الله تعالى، وأخذ الأستاذ يذكرنا بهدوء تام بال adjectives وattributes اللذين أخذناهما السنة الماضية، علمًا بأننا لم نسمع بهما من قبل قط، ثم أخذ يتحدث عن ال sujet وال verbe وانتقل بعدها ليكلمنا عن الأخ avoire au plus-que parfait مؤكدًا لنا أننا أخذنا كل ذلك السنة الماضية والتي قبلها، ونحن لا نفهم عمَّ يتحدث، بل إن تلك المفردات كانت جديدة علينا، لفظًا طبعًا، أما معناها، فالله أعلم ما يمكن أن تعني!

    أدركنا أننا أمام سنة صعبة، لكننا أملنا خيرًا رغم ذلك، لقد أدرك الأستاذ ضعفنا، وبالتالي لا بد أنه سيفسر لنا كل ما استغلق علينا، ولكننا لم نحسب حساب مغامرات طرزان كما نسميها، والتي لم تكن حكرًا على أستاذ اللغة الفرنسية السنة الماضية، وكذلك أستاذ العلوم السنة المذكورة، لكننا غفرنا للأخير كونه كان يشرح لنا كل شيء آنذاك، أما الآن، فإن المغامرات اتخذت شكلًا آخر تمامًا، وكلها تقوم على المواعظ التي تُبكِي الحجارة، مع أنها لا تُبكِي أحدًا أصلًا!
    ومن تلك المغامرات التي زادتنا فهمًا للغة الفرنسية ما يأتي (كنت ذات مرة ذاهبًا إلى الصيد، ورأيت شخصًا، طوله طول حذائي، يحمل صنارة صيد أطول منه بمترين، فقلت له العمى بعيونك يا طبل! ألا ترى منظرك مثل البغل! فاستحى على دمه وأخذ يبكي، ورمى بالصنارة، وذهب من وجهي)!

    ولا داعي لسرد سائر المغامرات، فكلها بالشاكلة نفسها، كل من يقابله هذا الأستاذ، طوله من طول حذائه، وهو طبل وبغل، وليحمل بعدها ما يحمل، على أن يكون ما يحمله أطول منه، حتى يستحق هذا الشرف، وكلهم _ ما شاء الله _ استحوا وبكوا تأثرًا!
    أمر واحد نحسبه لهذا الأستاذ، وهو أنه كان في دروس القراءة يشرح لنا جيدًا، وإن سها عن كلمة ما، وسأله أحدنا عن معناها كان يفسرها، لكنه كان يعطي الدرس بأكمله للقراءة على أن نغلق الكتاب بعد ذلك ليطرح علينا الأسئلة حول ما قرأناه، ويسمع لنا كل المفردات المتعلقة بهذا الدرس، ما أدى بنا إلى إهمال المادة رغمًا عنا، وربما لو لم يتبع هذه الطريقة المزعجة لتمكَّنَّا من تقوية أنفسنا باللغة الفرنسية، على الأقل من ناحية فهم النصوص.

    أما تلك الأمور الأخرى التي سألَنَا حضرتُه عنها، من قبيل ال sujet وال verbe، وما إلى ذلك ، فلم يشرحه لنا على الإطلاق، واعتبر أنه يجب أن نعرفه بأنفسنا! لذا لم نستفد شيئًا من مادته، ولم نتقدم على الإطلاق بها، والمضحك كان في الإملاء، أفضلنا يرتكب خمسين خطأ إملائيًا تقريبًا! ما دفع بالأستاذ؛ بعد عدة محاولات فاشلة؛ إلى إعطاء إملاء من أسطر قليلة، بدلًا من صفحة ونصف كعادته، ورغم ذلك كانت معظم العلامات صفرًا دائمًا مستديمًا!
    والمسابقات حملت الكوارث للأستاذ قبل أن يكون لنا، النص وحوله أسئلة، ثم تعبير كتابي، وهكذا كنا ننظر في السؤال، ثم نبحث في النص عن كلمات مماثلة، لننسخ الجملة كاملة في الإجابة، أما التعبير الكتابي هذا، فكان بعضنا ينسخ النص بأكمله! ولكن بعضنا الآخر كان أكثر عبقرية وخيالًا، وهكذا قرأ الأستاذ مواضيع ب(اللغة الفرنسية) مفادها ما يأتي:
    Le Baib Est Dakka Ams Massaaً!!
    (الباب دق أمس مساءً)، لاحظوا كيف كانوا يكتبون الحرف الأول من كل كلمة بالخط الكبير، ثم لاحظوا التنوين فوق كلمة Massaaً ولكن كل هذا التميز والإبداع لم يعجب الأستاذ... للأسف الشديد، سامحه الله، ماذا كان ينتظر إذًا؟ وهل رأيه أنه يجب أن نكون مبدعين في التعبير الكتابي باللغة الفرنسية سيجعلنا كذلك، خاصة وقد مررنا بأستاذين من قبله، لا نملك إلا أن نقول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وإنا لله وإنا إليه راجعون!

    ثم إن حضرته كان لديه قصة طريفة، لا علاقة لها بالأحذية ولا بالبغال ولا بالحمقى، والحمد لله، كل ما قرأ لنا درسًا، أخبرنا أن (شخصًا) اشترى الفستان لابنته من طراز قديم نادر لا يوجد في وقته، أما من يكون هذا الشخص الخفي، وهل هو شبح جوال ما بين النصوص جميعها؟ ولماذا اشترى ومن أين وكيف حصل على هذه التحفة النادرة، فلا أحد يعرف الإجابة حتى الأستاذ، والله تعالى أعلم!
    وصلنا إلى صف الشهادة الرسمية، وهذه المرة لم نقع في فخ الإكمال والحمد لله تعالى، وانتقلت أنا هنا إلى المدرسة الخاصة، لعلنا ننجو من هذا الهراء المتكرر، إذ يجب أن نكون من قدر أنفسنا في كافة المواد قبل الشهادة، والحقيقة أنه كان يجب أن أنتقل إلى المدرسة الخاصة قبل ذلك بسنة، ولقد فعلت ذلك، أي أنني تقدمت بامتحان الدخول، وأخبرتنا مدرِّسة الرياضيات أن المسابقة من 80، تنقسم العلامة مناصفة ما بين ال aljaber وال geometry، والأخير لم أكن أعرف عنه شيئًا، أما الأول فكنتُ أنال به العلامة الكاملة، وهكذا أبدعتُ في اللغة العربية في الامتحان، وكدتُ أنال العلامة الكاملة، ولم أوفق في اللغة الفرنسية وهذا متوقع، وبقي اختبار الرياضيات ليحسم كل شيء، لتكون الصاعقة المدمرة أن المدرِّسة منحت 16/80 لقسم ال
    Algèbre و64/80
    لقسم الـ
    Géométrie ما أدى إلى الرسوب في امتحان الدخول.

    ولقد اعترضنا على ذلك آنذاك، وتم الاتفاق على إعادة اختبار الرياضيات، على أن تكون العلامة مناصفة كما وُعِدنا، وحصل ذلك، لكنهم رفضوا أن أتسجل لديهم، لامتلاء الصفوف! وهكذا احتفظتُ بحقي في الانتقال إلى هذه المدرسة السنة اللاحقة، فكانت معاناتنا مع صاحب ال production ecrite هذا، والآن أنا أشعر بالسعادة لأنني سأفهم اللغة الفرنسية في صف الشهادة الرسمية في المدرسة الخاصة، ولكن...
    دخلت معلمة اللغة الفرنسية آنذاك، هاتفة: Bonjour mon eleves (أعتذر لعدم وضع الأبوستروف، لا أعلم تقنية كتابتها)، رد رفاقي Bonjour Madame... أما أنا فكنتُ مبهورًا لما يحصل، معلمة تعلمنا!! رغم أن الصف مختلط، إلا أنني كنت قبلها في المدرسة الرسمية، وهي خاصة للصبيان، ولدينا معلمات بها، ولكن بعد صف الابتدائي الخامس لم تعلمنا معلمة واحدة، وذلك لأننا (صبيان) ومن (العيب) أن تعلمنا (واحدة)! وحتى بالأساسي السادس، أرادت الإدارة أن تسلم معلمة إحدى المواد، فَثُرنا جميعًا واعترضنا وتركنا الصف!

    مع ما أفكر به، نطقت المعلمة بكلمات معينة، لم أفهمها، ثم نظرت إليَّ والغضب يشتعل في عينيها، قبل أن تَتَّجِه نحوي بصرامة وحزم، ما أدهشني فعلًا، هل تمكنت المعلمة من قراءة أفكاري فعلًا؟ وإلا لماذا الغضب؟ أنا لم أفعل شيئًا بعد، بل إنني تلميذ مجتهد رائع بمعلوماتي اللغوية الفرنسية! أعلم أن ال production ecrite هو التعبير الكتابي، ولا فخر!

    وصلت المعلمة إلى طبقتي التي أجلس عليها مع رفيقي، ونظرت إليَّ مباشرة، وأكاد أؤكد أنني رأيتُ النيران تشتعل في عينيها... ماذا يحصل؟ ما السبب يا ترى!!

    تابعوا معنا
    التعديل الأخير تم بواسطة أ. عمر ; 14-11-2017 الساعة 06:39 PM

  11. #10


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: حكايتي مع اللغة الفرنسية بقلمي أ. عمر

    الحلقة الثامنة: سندويشة وعصابة x

    كانت النيران تشتعل في عيني المعلمة، وهي تنظر إليَّ بغضب شديد، وأنا أنظر إليها بدهشة كبيرة، غير مدرك سبب غضبها، وتوقعت أنها ستبدأ بالصراخ واللوم والمعاتبة، ولكنها فاجأتني بابتسامة هادئة، وهي تقول بصوت عادي لا أثر للغضب في نبراته: Bonjour
    نظرتُ إليها ساخرًا، وأنا أتساءل؛ فيما بيني وبين نفسي؛ عن (الذكاء) لدى هذه المعلمة حتى تلقي التحية على الطلاب حين دخولها الصف، ثم تلقيها على كل طالب بعد ذلك! ومن هذا المنطلق أجبتُها بتهكم:
    (عرفتُ أنه Bonjour! وماذا بعد)؟!
    أعتقد أن المعلمة تمالكت نفسها بصعوبة، لئلا تنفجر بالصراخ في وجهي مع هذه الإجابة، وإن بان الغضب واضحًا في صوتها إذ تقول لي: (Levez_vous)
    ساورتني الشكوك في عقل المعلمة، فسألتها بحذر شديد: (لماذا؟ ماذا تريدين منها)؟ وكان ردي رائعًا جعل المعلمة تبهت مكانها، ولا تستطيع أن تبدي حراكًا، لكني رأيتها تنظر إليَّ بحذر، وكأنها تشعر بالدهشة من أمر ما، ولم أعلم لم ارتفعت الضحكات في الصف، وإذ استعادت المعلمة توازنها صرخت باستنكار تام (Quoi)؟!
    رددتُ باستنكار مماثل (Pourquoi)؟! فصرخت المعلمة بي: (Levez_vous) فتحتُ لها حقيبتي، لأنهي هذه المهزلة، هاتفًا بها: (إنها هنا في الحقيبة، لم آكلها بعد)! ليرتجَّ الصف بضحك التلاميذ، والمعلمة تصرخ مجددًا، باستنكار تام:
    (Quoi)؟! وأنا أرُدُّ باستنكار أشد:
    (Pourquoi)؟!

    ارتفع دوي الضحك، والمعلمة تسألني سؤالًا ما لم أفهمه، وإن توقعتُ أنها تطلب الدليل، فلم أتردد لحظة، أخرجتُ لها السندويشة من الحقيبة، وأخبرتُها أنها سندويشة لبنة وخيار، وأني لم آكلها بعد، ولا أعلم لماذا تسألني عنها، وأخذت المعلمة تصرخ وتولول بكلمات ربما هي نفسها لا تدري معناها!
    أنا لم أنتبه إلى أن كل رفاقي كانوا واقفين للمعلمة، وهي تسألني عن (اللِفة)، فظننتها تسأل عن السندويشة، لأننا نقول لها (اللَّفِّة)، ولم أفهم أنها تطلب إليَّ أن أقف لها مثل رفاقي إلا بعد وقت طويل من السنة الدراسية! ولكني لا ألوم نفسي، فهذا المصطلح (Levez_vous) جعلني أظنها تسألني عن السندويشة الخاصة بي، فظننتُ بعقلها الظنون، وظنَّتْ هي أنني أنكِّت وأتظارف معها!

    وانطلقت المعلمة تحكي باللغة الفرنسية بسرعة كبيرة، ولا تفسر شيئًا مما تقول، ومَرَّ حوالي نصف ساعة، وأنا لا أفهم أي شيء، فسألتُ رفيقي الذي يجلس بجواري (ماذا تقول المعلمة)؟ أجابني بلا مبالاة (اسألها)! وهكذا نفذتُ خطته الرائعة، وسألتُها! بكل بساطة ألقيتُ عليها السؤال، ولكني لم أستفد شيئًا.
    بكل براءة وحماسة للتعلم، قلتُ لها (ما الذي تقولينه يا مدام)؟ فنظَرَتْ إليَّ بغضب، وكأنها تظنُّ أنني ما زلتُ أنكِّت، وأنا لم أفهم سبب غضبها آنذاك، بل تساءلتُ ما بيني وبين نفسي، هل هناك أي (ثأر) تحمله هذه المعلمة لي؟! ثم ظننتُ أنني ظلمتُها بظنوني، فلقد سألَتْني ما الذي لم أفهمه، وأي (جزئية) في كلامها (تبدو) غامضة، فأجبتُها متحمسًا: (كل يللي قلتِه من أول ما دخلتِ الصف إلى الآن، لم أفهم منه ولا حرفًا واحدًا، أعيدي كل ما تكلمتِ به، وباللغة العربية)!

    كادت المعلمة تجيب، ولكني صرختُ بها آمرًا إياها (هياااا)! ولا أعلم أي صفة لي حتى آمرها، وكان أن ردَّت بكلمة واحدة، كلمتها الشهيرة: (Quoi)؟! ما أشعرني بالتأثر لهذا الشرح العميق، فشكرتُها قائلًا: (Pourquoi لهذا الشرح، الآن فهمتُ اللغة الفرنسية بأكملها، شكرًا لكِ... أأه، عفوًا عفوًا، باردون! أقصد Merci)!
    انهمر وابل من الكلمات الفرنسية فوق رأسي هنا، كأنه مطر غزير، لم أفهم منه شيئًا على الإطلاق، فابتسمتُ في وجه المعلمة ابتسامة عريضة، وأغلقتُ عينيَّ كأنني أريد أن أنام، ولم أعرف كيف مرَّت تلك الحصة التعيسة!

    ولكن درب السعادة ما يزال طويلًا، اليوم التالي دخلت المعلمة نفسها وانطلقت تتكلم باللغة الفرنسية، وقررتُ أن أفتح صفحة جديدة معها، فرفعتُ يدي طالبًا الكلام، وانتظرتُ حتى أشارت إليَّ المعلمة، لأسألها بكل تهذيب إن كان يمكنها أن تفسِّر؛ وباختصار شديد؛ ما تطلبه منا، فكان أن كتبت المعلمة اسمي على اللوح!
    تقنية جديدة في عالم التدريس لم أسمع بها من قبل! أن تكتب المعلمة أسماء من يطلبون السؤال على اللوح، ثم تستمع إلى أسئلتهم لاحقًا! فهتفتُ بها مستحسنًا: (حلو! أنا موافق)! فارتفعت الضحكات من الزملاء، ووضعت المعلمة بجوار اسمي علامة x

    رائع! رائع! معلومة عالمية فعلًا! لم أتمالك نفسي فهتفتُ بالمعلمة متهكمًا: (هل أصبحتُ من عصابة الأخ x وأنا لا أعرف)! أسرعت المعلمة تضع علامة x ثانية إلى جانب الأولى، لأهتف بتهكم لاذع: (برافو! أنا من عصابة x الثنائي)! وكان نتيجة ذلك ال x الثالثة!
    أسرع رفيقي هنا _ ويا لها من سرعة _ يلكزني بمرفقه، ويهمس لي أن أتوقف عن الكلام باللغة العربية، لأن ال x يعني أنني أتكلم باللغة العربية، فسألتُه ساخرًا، بصوتٍ مرتفع: (وهل z يعني أنني أتكلم باللغة الفرنسية، وy يعني أنني أتكلم باللغة الإنكليزية)! فكان أن نلتُ ال x الرابعة هنا!

    التزمتُ الصمت بعدها، لأني أدركتُ أن أسلوبي الساحر، أقصد الساخر، لا ينفع مع هذه المعلمة، ولكني لم أفهم معنى هذه ال x المتكررة، فآثرتُ أن أتوقف عن الكلام مع المعلمة، لأنه لا فائدة تُرجَى من ذلك، غير أنني لم أبق ساكتًا إلى نهاية الحصة، وكيف أفعل، والمعلمة الحنون تمسح إحدى علامات ال x من جوار اسمي؟! وضعتُ يدي فوق قلبي هاتفًا: (أوه لالا! عفوكِ السامي هذا أثَّر بي وبكياني، ولا أعلم كيف أشكركِ عليه، ولكن هل يعني هذا أن مقدرتي على التكلم باللغة العربية قد انخفضت)؟!
    مع هذه الكلمات وصل عدد ال x إلى حوالي 10 فقط! ومرة أخرى ألتزم الصمت، لأنني أردتُ أن أفهم ما يحصل، شككتُ بسلامة المعلمة عقليًا ببساطة، وكان من نتيجة الصمت أن المعلمة مسحت علامة x واحدة، فوضعتُ يدي على قلبي، وأخذتُ ألوِّح بيدي، وأحرِّك فمي، لكن من دون أن أتكلم، وهي تنظر إليَّ بغيظ تام، ولقد كرَّرْتُ لها هذه الحركة عدة مرات، كلما مسحت x أخرى، حتى انتهت الحصة، وقد عاد اسمي صافيًا من دون علامة ال x، أيعني هذا أنني قد نسيتُ اللغة العربية بنظر المعلمة يا ترى؟!

    رغم رنين الجرس ظلت المعلمة واقفة في الصف تتكلم، ثم أشارت إليَّ لآتي إليها، فعلتُ ذلك، وإذ بها تتكلم معي، وباللغة العربية! يا للمعجزات! وتعطيني ورقة فيها نص كبير باللغة الفرنسية طبعًا وتطلب إليَّ أن أحفظه لتسمعه لي اليوم التالي، أخذتُ الورقة منها متحمسًا، أريد أن أنضم لرفاقي في الصف، هم يجيدون اللغة الفرنسية ويتحاورون مع المعلمة، ووحدي أنظر إليها كأنها تتكلم بلغة أهل المريخ، كأنني لم أدرس اللغة الفرنسية في صف دراسي واحد قبل ذلك!
    ورغم صعوبة الحفظ باللغة الفرنسية سهرتُ لأبعد من منتصف الليل حتى حفظتُ النص بأكمله، قلتُ لنفسي سترى المعلمة اجتهادي وأنني جادٌّ في التعلم، فتهتم بي وتشرح لي ما تقوله في الصف، وما كادت المعلمة تدخل؛ اليوم التالي؛ حتى قمتُ إليها لأسلمها الورقة، وسمَّعْتُ النص بأكمله من دون أي خطأ، فمزَّقت المعلمة الورقة وألقتها في سلة المهملات، طالبة إليَّ الرجوع إلى مكاني بإشارة من يدها!

    لا أعلم كيف تمالكتُ أعصابي هنا، لأسألها بهدوء مفتعل، وأعماقي تغلي: (كم سأنال من العلامات لهذا التسميع)؟ ردَّت المعلمة هنا ببساطة أن هذا التسميع ليس للعلامات، بل إنه Punition! ردَّدتُ خلفها بذهول: Punition؟! يعني فندق؟! وأخذت حضرتها تولول بلغات غريبة عجيبة، ثم أجابتني بأن ال Punition يعني القصاص، وذلك لأنني تكلمتُ باللغة العربية الحصة الفائتة!
    يا للمصيبة!! ساعات طوال من الدرس والحفظ والسهر والإجهاد، وتسميع مثالي ليس فيه خطأ واحد، لتُرمَى الورقة في النفايات، وذلك لأن هذا التسميع قصاص لي؟! فقدتُ أعصابي هنا نهائيًا لأقدم على تصرفات غير متزنة... نهائيًا!

    تابعوا معنا
    التعديل الأخير تم بواسطة أ. عمر ; 23-11-2017 الساعة 08:57 PM

  12. #11

    الصورة الرمزية kaw Matsuda

    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    المـشـــاركــات
    203
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: حكايتي مع اللغة الفرنسية بقلمي أ. عمر

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    قرأتها كلها دفعة واحدة
    ياااه بحق الله ما هذا الكابوس؟
    اعتقد أنني لو كنت أدرس في صفوفكم فالأرجح أني لن أتابع الذهاب إلى المدرسة!
    ما هذا التعجيز القاسي؟
    بذكر المعلم الذي غششكم الأجوبة في الامتحان، تذكرتُ إحدى المراقبات على صفنا في امتحان نهائي، كانت من خارج المدرسة وتم إحضارها مؤقتا .. وأثناء انشغالنا بعصر أذهاننا أمام الأوراق، إذ بهذه المراقبة تقف وتقول: إن أردتم فبإمكانكم تمرير أوراقكم لبعض، حتى تنقلوا الأجابات التي لا تعرفونها!
    طبعا أنا دخلتْ في مرحلة الصدمة التامة، بينما في لحظات انقلب الفصل من حولي إلى هرج ومرج، وهذه تصيح، وتلك تتدارس الحلول مع صديقتها، والأوراق تعبر من حولي كصحون طائرة
    إلخ ...
    حتى شككتُ أنني بقاعة اختبار نهائي!
    وطبعا فيما بعد لم يمرّ الأمر على خير، فقد تم اكتشاف حيلة الغش الجماعي هذه، وصارت استجوابات ونقاشات من قبل المعلمات، وتم أخذ أقوالي أيضا بما حدث في ذلك الامتحان!
    ولا أدري ما استقر عليه الوضع لاحقا .. لا أعاده الله من "تغشيش بائس" !

    قصصك يا سيد عمر دفعت بالعديد من الذكريات لعقلي، وأسلوبك ماتع وسلس ما شاء الله
    فقط لديّ سؤال "هل هذا المسلسل معروض في كتاب ورقي، أم أنه حصري على مسومس فقط؟"

    بانتظار الحلقة الثامنة ...

  13. #12


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: حكايتي مع اللغة الفرنسية بقلمي أ. عمر

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة kaw Matsuda مشاهدة المشاركة
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    قرأتها كلها دفعة واحدة
    ياااه بحق الله ما هذا الكابوس؟
    اعتقد أنني لو كنت أدرس في صفوفكم فالأرجح أني لن أتابع الذهاب إلى المدرسة!
    ما هذا التعجيز القاسي؟
    بذكر المعلم الذي غششكم الأجوبة في الامتحان، تذكرتُ إحدى المراقبات على صفنا في امتحان نهائي، كانت من خارج المدرسة وتم إحضارها مؤقتا .. وأثناء انشغالنا بعصر أذهاننا أمام الأوراق، إذ بهذه المراقبة تقف وتقول: إن أردتم فبإمكانكم تمرير أوراقكم لبعض، حتى تنقلوا الأجابات التي لا تعرفونها!
    طبعا أنا دخلتْ في مرحلة الصدمة التامة، بينما في لحظات انقلب الفصل من حولي إلى هرج ومرج، وهذه تصيح، وتلك تتدارس الحلول مع صديقتها، والأوراق تعبر من حولي كصحون طائرة
    إلخ ...
    حتى شككتُ أنني بقاعة اختبار نهائي!
    وطبعا فيما بعد لم يمرّ الأمر على خير، فقد تم اكتشاف حيلة الغش الجماعي هذه، وصارت استجوابات ونقاشات من قبل المعلمات، وتم أخذ أقوالي أيضا بما حدث في ذلك الامتحان!
    ولا أدري ما استقر عليه الوضع لاحقا .. لا أعاده الله من "تغشيش بائس" !

    قصصك يا سيد عمر دفعت بالعديد من الذكريات لعقلي، وأسلوبك ماتع وسلس ما شاء الله
    فقط لديّ سؤال "هل هذا المسلسل معروض في كتاب ورقي، أم أنه حصري على مسومس فقط؟"

    بانتظار الحلقة الثامنة ...
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
    هو كابوس مررنا به لقلة أمانة كثير ممن درَّسونا، للأسف الشديد.
    تمنينا كثيرًا؛ آنذاك؛ ألا نذهب إلى المدرسة مرة أخرى، ولكن أهلنا ما كانوا ليسمحوا لنا بذلك.
    تلك المراقبة التي حوَّلتِ الصف إلى هذه الفوضى، التقيتُ بمن يشبهها بإحدى امتحانات الشهادة الرسمية
    وقفت المراقبة معي في الصف لتخبر التلاميذ أنهم مثل أولادها وأنها مثل (الماما) ولينقلوا كيفما يشاؤون
    وتحول الصف إلى فوضى غير مسبوقة تمكنتُ بصعوبة شديدة من ضبطه فيما بعد
    وللأسف لم يحصل أي تحقيق أو استجواب، بل إن رئيس المركز قام بإخفاء الأمر عن المفتش التربوي!
    شكرًا لرأيكم الراقي بأسلوبي أختنا الكريمة، والقصة حصرية في مسومس لم أعرضها من قبل في أي مكان آخر
    وربما أحاول نشرها كقصة في كتاب ورقي لاحقًا، ولكني أتردد، لقلة اهتمام الناس بالقراءة للأسف
    لذا أكتفي؛ حتى الآن؛ بنشر الكتب التعليمية فحسب.
    الحلقة الثامنة تم تسجيلها منذ بعض الوقت، متابعتكم تشرفني.

  14. #13

    الصورة الرمزية Jomoon

    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    المـشـــاركــات
    5,630
    الــــدولــــــــة
    لا يوجد
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: حكايتي مع اللغة الفرنسية بقلمي أ. عمر

    وعليكمـ السلامـ ورحمة الله وبركاته~

    آه ماهذا القهر؟!،
    ماهؤلاء الأجناس أهُم من البشر أم أنصاف بشر وأشرار؟!،
    استغفرالله بــس
    قهرني اللي يضرب بكل بشاعة
    يالله بــس
    يبدو أنك رأيت العجب
    رحم الله الحال
    سبحان الله
    وتجدني أتعجب يبدو أن ما رأيته يشيب له الراس
    وأني أظن ظناً أنه فعل ذلك معكم
    لأنه يرى أنكم نسيتم صنيعه حين كتب لكم الإجابات
    أما ذاك العجيب الذي يبدو أنهُ يهذي ولا يدرسxD, استغفرالله يارب،
    ماذا يحسبكم آلات كاتبة!
    عجباً ثم عجباً
    >>أيهم الإجابة الصحيحةxD,
    يالله خلآاص هل أبكي أم أبكي
    ماهذا القهر ياربي!،
    ربي يعظم أجوركم ويعوضكمـ بقدرته
    وأرى الأستاذة أنها تحسبك هَزِأً بها لذا شدت عليك
    مازلت أرغب بالتكملة فهلم بها
    باركك ربي وعوضك خيراً مما فاتك
    وأعاد المسلمين إليه وإلى كتابه وسنة نبيه وهديه
    وصلى الله وسلم على النبي الحبيب محمد
    طريقتك في الكتابة مميزة ما شاء الله
    ربي يزيدك من فضله
    متابعة بإذن الله فعجل بها
    في حفظ المولى،،
    ~

  15. #14

    الصورة الرمزية Moroboshi Dai

    تاريخ التسجيل
    Oct 2017
    المـشـــاركــات
    3,485
    الــــدولــــــــة
    تونس
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: حكايتي مع اللغة الفرنسية بقلمي أ. عمر

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته
    أخي أ.عمر شكرا على هذا الإنتقاء وعلى هذا الأسلوب وعلى هذه الذكريات ، متابعين
    ذكرتني في أيام المرحلة الإبتدائية حيث كنا نتندّر بجملة رنانة كانت تكتب مزخرفة على جدار مدرستنا" العلم نور" فكنا نتندر بها العلم نور والنور كهرباء والكهرباء خطر فلماذا ندرس؟؟؟؟
    مثل هؤلاء يستحقون السجن تصرفاتهم وتعاملاتهم تدل على أنهم غير مؤهلين بيداغوجيّا لتعليم الناشئة
    بعض الملاحظات نحن تعلمنا في بلادنا أن التعبير الكتابي هو Expression Ecrite وليس Production Ecrite
    لا أدري إن كان سهوا منك أم حقا نطقت الأستاذة كذلك Mes élèves وليس Mon élèves
    كذلكAlgèbre و Géométrie

    دُمت

  16. #15


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: حكايتي مع اللغة الفرنسية بقلمي أ. عمر


    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Jomoon مشاهدة المشاركة
    وعليكمـ السلامـ ورحمة الله وبركاته~

    آه ماهذا القهر؟!،
    ماهؤلاء الأجناس أهُم من البشر أم أنصاف بشر وأشرار؟!،
    استغفرالله بــس
    قهرني اللي يضرب بكل بشاعة
    يالله بــس
    يبدو أنك رأيت العجب
    رحم الله الحال
    سبحان الله
    وتجدني أتعجب يبدو أن ما رأيته يشيب له الراس
    وأني أظن ظناً أنه فعل ذلك معكم
    لأنه يرى أنكم نسيتم صنيعه حين كتب لكم الإجابات
    أما ذاك العجيب الذي يبدو أنهُ يهذي ولا يدرسxD, استغفرالله يارب،
    ماذا يحسبكم آلات كاتبة!
    عجباً ثم عجباً
    >>أيهم الإجابة الصحيحةxD,
    يالله خلآاص هل أبكي أم أبكي
    ماهذا القهر ياربي!،
    ربي يعظم أجوركم ويعوضكمـ بقدرته
    وأرى الأستاذة أنها تحسبك هَزِأً بها لذا شدت عليك
    مازلت أرغب بالتكملة فهلم بها
    باركك ربي وعوضك خيراً مما فاتك
    وأعاد المسلمين إليه وإلى كتابه وسنة نبيه وهديه
    وصلى الله وسلم على النبي الحبيب محمد
    طريقتك في الكتابة مميزة ما شاء الله
    ربي يزيدك من فضله
    متابعة بإذن الله فعجل بها
    في حفظ المولى،،
    ~
    أختي الفاضلة، كنا بمدرسة لا تسأل الإدارة فيها عن التلاميذ وكان الضرب مسموحًا آنذاك للأسف
    من نسينا صنيعه معنا لم يكن ينتقم بل كانت هذه عادته علمنا أنه كان يفعل ذلك مع الصفوف التي قبلنا ثم من بعدنا
    من يسأله سؤالًا يمط له شفتيه ويصفعه ويبدأ بالشتائم والسباب، وكثير من هؤلاء الأساتذة كان الهذيان طبيعتهم بمغامرات
    خيالية ما أنزل الله بها من سلطان وسباب وشتائم على أعداء وهميين لهم في تلك المغامرات
    تلك الأستاذة بارك الله بها ولا زلتُ لا أعلم كيف كانت تصبر عليَّ مع إجاباتي هذه وتصرفاتي معها لكنها لم تكن تعلم
    أنني فعلًا لم أفهم ماذا تقصد حينما ناولتها السندويشة من المحفظة بدلًا من أقف لها!
    لدعائكم نقول آمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وإن شاء الله التكملة من يوم الغد، فمعظم يومي ضاع في مشاوير العاصمة اليوم... الإرهاق اليوم شديد، إن شاء الله غدًا نتابع، ومتابعتكم تشرفنا، بارك الله بكم ولكم


  17. #16


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: حكايتي مع اللغة الفرنسية بقلمي أ. عمر

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Moroboshi Dai مشاهدة المشاركة
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته
    أخي أ.عمر شكرا على هذا الإنتقاء وعلى هذا الأسلوب وعلى هذه الذكريات ، متابعين
    ذكرتني في أيام المرحلة الإبتدائية حيث كنا نتندّر بجملة رنانة كانت تكتب مزخرفة على جدار مدرستنا" العلم نور" فكنا نتندر بها العلم نور والنور كهرباء والكهرباء خطر فلماذا ندرس؟؟؟؟
    مثل هؤلاء يستحقون السجن تصرفاتهم وتعاملاتهم تدل على أنهم غير مؤهلين بيداغوجيّا لتعليم الناشئة
    بعض الملاحظات نحن تعلمنا في بلادنا أن التعبير الكتابي هو Expression Ecrite وليس Production Ecrite
    لا أدري إن كان سهوا منك أم حقا نطقت الأستاذة كذلك Mes élèves وليس Mon élèves
    كذلكAlgèbre و Géométrie

    دُمت


    الشكر لمرورك الكريم أخي
    الثقافات تتشابه
    فقد كنا نقول بداية (العلم نور) و(النور كهرباء) و(الكهرباء مقطوعة) فكيف ندرس؟ ثم
    بعد ذلك، حينما خف انقطاع الكهرباء قليلًا
    أصبحنا نقولها (والكهرباء خطر) أو (والكهرباء موت) فلماذا يعلمونا!
    التعليم في أوقاتنا كان بهذه الهمجية والضرب مسموح والسباب والشتائم قائمة يمينًا ويسارًا
    التعبير الكتابي لدينا ما يزال مصطلح Production Ecrite مستعملًا على أنه يعني التعبير الكتابي أما المصطلح الآخر فلا أعلم إن كان هناك أساتذة يدرِّسونه تلامذتهم أم لا
    الأستاذة كانت تقول Mon eleves (لا أعرف كيف أضع هذه الحركات فوق حرف e)
    بل كانت تصر دائمًا على أن من يريد دخول الحمام يقول لها: je veus sort au dehore (لا أعلم إن كنت كتبتها بشكل صحيح)
    وأنا نفسي لا أكاد أعرف شيئًا في اللغة الفرنسية سألتها هل نقول Je veus sort أم Je veus sortir ؟ فأخرجتني من الصف وهي تصرخ في وجهي!
    أما ال Algèbre و Géométrie فهذا خطأ مني أنا في الكتابة، فكل الشكر لك للتنبيه والتصحيح، وسأقوم بتعديل الحلقة لإعادة كتابة المصطلحين
    بشكل صحيح
    بارك الله بكم وجزاكم خيرًا
    ودمتم بِوُدٍّ


  18. #17

    الصورة الرمزية Moroboshi Dai

    تاريخ التسجيل
    Oct 2017
    المـشـــاركــات
    3,485
    الــــدولــــــــة
    تونس
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: حكايتي مع اللغة الفرنسية بقلمي أ. عمر

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أ. عمر مشاهدة المشاركة


    الشكر لمرورك الكريم أخي
    الثقافات تتشابه
    فقد كنا نقول بداية (العلم نور) و(النور كهرباء) و(الكهرباء مقطوعة) فكيف ندرس؟ ثم
    بعد ذلك، حينما خف انقطاع الكهرباء قليلًا
    أصبحنا نقولها (والكهرباء خطر) أو (والكهرباء موت) فلماذا يعلمونا!
    أي نعم صحيح الثقافات تتشابه
    التعليم في أوقاتنا كان بهذه الهمجية والضرب مسموح والسباب والشتائم قائمة يمينًا ويسارًا
    مع الأسف الضرب ظاهرة متفشية في التعليم أما الشتم شيء مستهجن صراحة
    التعبير الكتابي لدينا ما يزال مصطلح Production Ecrite مستعملًا على أنه يعني التعبير الكتابي
    حتى الخطأ بقى على حاله حتى بمرور السنين غريب هي فعلا التعبير كتابي ترجمته الصحيحة Expression Ecrite
    أما المصطلح الآخر فلا أعلم إن كان هناك أساتذة يدرِّسونه تلامذتهم أم لا
    الأستاذة كانت تقول Mon eleves
    شيء من وراء الخيال ^^
    نحن هنا المأساة تكمن في التلاميذ ترى العجب العجاب الإستثناء في الأساتذة القرويون لا ينطقون الأحرف جيدا فينتابنا الضحك

    (لا أعرف كيف أضع هذه الحركات فوق حرف e)
    è = Alt + 0232
    é = Alt + 0233
    بل كانت تصر دائمًا على أن من يريد دخول الحمام يقول لها: je veus sort au dehore (لا أعلم إن كنت كتبتها بشكل صحيح)
    وأنا نفسي لا أكاد أعرف شيئًا في اللغة الفرنسية سألتها هل نقول Je veus sort أم Je veus sortir ؟ فأخرجتني من الصف وهي تصرخ في وجهي!
    ههههههههههه يآآآآآاه شر البلية مايضحك أضحك الله سنك أخي الكريم

    Je vais sortir dehors
    سبحان الله ورغم هذا أنت تقريبا إجابتك صحيحة
    لكن الأولى أن يقال
    Je peux sortir ?Je peux aller aux toilettes
    ?

    أما ال Algèbre و Géométrie فهذا خطأ مني أنا في الكتابة، فكل الشكر لك للتنبيه والتصحيح، وسأقوم بتعديل الحلقة لإعادة كتابة المصطلحين
    بشكل صحيح
    بارك الله بكم وجزاكم خيرًا
    وجزيتم خيرا مثله أخي الكريم
    ودمتم بِوُدٍّ

    كل الإحترام
    دُمت

  19. #18


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: حكايتي مع اللغة الفرنسية بقلمي أ. عمر

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Moroboshi Dai مشاهدة المشاركة

    مع الأسف الضرب ظاهرة متفشية في التعليم أما الشتم شيء مستهجن صراحة
    ظاهرة الضرب خفَّت كثيرًا لدينا، إذ تم منعها قانونًا من سنوات، وتبقى ضمن حالات محدودة ونادرة
    حتى الخطأ بقى على حاله حتى بمرور السنين غريب هي فعلا التعبير كتابي ترجمته الصحيحة Expression Ecrite
    أمر غريب فعلًا
    شيء من وراء الخيال ^^
    أمر طبيعي فالقاعدة الثابتة التي كنا نأخذها
    إن كنا نتحدث عن المذكر أو بصيغة جمع الذكور نقول: mon
    وإلا نقول: mes
    [SUB][SUP]
    [/SUP][/SUB]
    نحن هنا المأساة تكمن في التلاميذ ترى العجب العجاب الإستثناء في الأساتذة القرويون لا ينطقون الأحرف جيدا فينتابنا الضحك
    أمر غريب كذلك، لكن اللغات واللهجات تتباين
    è = Alt + 0232
    é = Alt + 0233
    لقد حاولت كتابتها، فأتتني رسالة كأنني سأخرج من الصفحة
    سأجرب لاحقًا عبر برنامج الوورد

    ههههههههههه يآآآآآاه شر البلية مايضحك أضحك الله سنك أخي الكريم

    Je vais sortir dehors
    سبحان الله ورغم هذا أنت تقريبا إجابتك صحيحة
    لكن الأولى أن يقال
    Je peux sortir ?Je peux aller aux toilettes
    ?
    أدام الله لكم الضحكة كذلك
    بل أذكر أنني اعترضت مرة على أن je veux تعني أنني أريد الأمر
    أي سأنفذه
    بينما je voudrais تعني الطلب
    (كنت سمعتها من أحد ما)
    ولم تستمع المعلمة لي نهائيًا، وطلبت مني أن أسكت!


    وجزيتم خيرا مثله أخي الكريم
    ودمتم بِوُدٍّ

    كل الإحترام

    دُمت
    بارك الله بكم
    ودمتم بكل الاحترام والود والتقدير


  20. #19


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: حكايتي مع اللغة الفرنسية بقلمي أ. عمرَ

    الحلقة التاسعة: من أنا؟!

    فقدتُ أعصابي وكل المبادئ والقيم، وأنا أرى ضياع التعب والجهد في الدرس، فأخذتُ أركل سلة النفايات بقدمي، ثم فتحتُ باب الصف وخرجتُ مغلقًا إياه خلفي بعنف، متجهًا إلى مكتب الناظرة المسؤولة عن الطابق، لأعرض عليها شكواي فيما حصل، وبداية تعاطفَتْ معي معتبرة أن ما حصل غير طبيعي نهائيًا، وأنني صاحب الحق 100%، ولكن؛ وما إن سمعَتِ الناظرة باسم المعلمة حتى انقلبت ضدي تمامًا، واعتبرتني مخطئًا خطأ فادحًا، حتى لم أعد أعرف من أنا؟ صاحب الحق أم المخطئ ؟ وإن كنتُ هذا أم ذاك فما السبب؟ (فيما بعد، علمتُ أن الناظرة هي ابنة الأستاذة)!

    اتخذتُ قراري بالتصعيد مع هذه الأستاذة، وفي أول حصة كانت لها عندنا بعد ذلك، ما كادت تدخل حضرتها، حتى قمتُ لأمحو اللوح، ثم كتبتُ لها: {إنا أنزلناه قرآنًا عربيًا لعلكم تعقلون}، ولم تحتمل الأستاذة ذلك، ولا أدري لماذا، فأخذت تصرخ في وجهي، وهنا دخل أحد النظار، وإذ بالأستاذة تشكوني كيف أكتب (إنا "خلقناه" قرآنًا عربيًا لعلكم تعقلون)، وثارت ثائرتي هنا، وانطلقت أخبرها؛ في حماسة شديدة؛ أن القرآن كتاب الله أنزله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وليس (مخلوقًا)، والمعتزلة هم من قالوا بخلق القرآن، والأستاذة لا تعرف كيف تتخلص من هذا الحوار، والناظر يحاول إسكاتي عبثًا، معلنًا أن الأستاذة على حق! (فيما بعد، علمتُ أن الناظر هو ابن الأستاذة كذلك)!

    وكان لا بد من هدنة؛ بعد ذلك؛ إن صح التعبير، وهكذا اعتبرتُ حصص اللغة الفرنسية حصص استراحة، أخذتُ أجلس فيها أراجع مواد أخرى، لكن من دون فوضى طبعًا، وإن لم يمنع ذلك حصول حوارات (عميقة) فيما بيني وبين الأستاذة، تسير كلها على الوتيرة نفسها:
    الأستاذة: ....... (كلام باللغة الفرنسية، الله أعلم ما هو)
    أنا: Quoi؟
    الأستاذة: ........ (كلام باللغة الفرنسية، الله أعلم ما هو كذلك)
    أنا: Pourquoi؟

    ولكن الحرب عادت فيما بيننا، إذ تكلمت الأستاذة مرة كلمة باللغة العربية، فقمتُ إلى اللوح وكتبتُ اسمها، مسبوقًا بلقب (مدام) طبعًا، لم أكتبه مجردًا، فسألتني باستنكار عن سبب كتابتي اسمها، فوضعتُ بجوار الاسم علامة ال x وانطلق الطلاب في الضحك، وأخذت هي تصرخ في وجهي، وأنا أزيد في علامة ال x مع كل كلمة، حتى أخرجتني الأستاذة من الصف، وبقيتُ خارجًا مدة طويلة، حوالي شهرين، لا أدخل الصف في حصصها (ويا للظلم الكبير)!
    ومن بعد ذلك، كانت الهدنة الحقيقية هذه المرة، واستمرت حتى آخر السنة، ربما لأنني أدركتُ أنه لا فائدة من الجدال معها، وربما بسبب آلام في الرأس كنتُ أعانيها تلك المرحلة، وذهبنا إلى الامتحان الرسمي، الشهادة المتوسطة، ولم أوفَّق بسبب ما أعانيه، لكني نلتُ 4/40 على اللغة الفرنسية، والله أعلم كيف حصلتُ عليها! وفي الدورة الثانية نلتُ العلامة هذه ذاتها 4/40، فاعتبرتُ نفسي أمتلك حصيلة معلومات لا بأس بها بهذه اللغة!

    أعدتُ السنة الدراسية، ولكن في مدرستي الرسمية السابقة، لنرى أن لدينا الأستاذ صاحب مغامرات (واحد طوله من طول حذائي، ويحمل... أطول منه، وقلتُ له يا هبل، أنت مثل الطبل، ألا تستحي يا بغل)... إضافة إلى مغامرات الصيد (يبدو أنه قد انضمَّ إلى فريق الصيادين النادرين، هو الآخر برصاصة واحدة يُسقِط عشر حمامات من بعد عشرة أمتار، وقبل ذلك عشرة صيادين يصوبون رصاصاتهم نحو الحمامات من على بعد متر واحد، ولا يصيبون حمامة واحدة)!
    وأذكر أن هذا الأستاذ قد شكانا للمدير، بسبب أننا ننال الصفر على الإملاء، وأن التاريخ يعيد نفسه (كلنا تلامذته، بما أنه يدرِّس هذا الصف والصف السابق، ومعظمنا نعيد السنة)، واتجه المدير إلى الصف، ليلقي علينا محاضرة صمَّاء، لا نعلم ما علاقتها بالإملاء الفرنسية! ومفادها أن عمر بن الخطاب رأى رجلًا في الجامع يصلي ويصلي ويصلي ويصلي ويصلي ولا يعمل، فأمسك به من يده قائلًا له (اذهب واعمل)، هذه هي القصة، أما نتيجتها فأن المدير، ليزيد في واقعية القصة، أمسك بيدي أنا، وهو يكرر لفظ (يصلي ويصلي...)، وإذ قال: (اذهب واعمل) جذبني من مقعدي ملقيًا بي على الأرض، لتصاب ساقي برضوض قاسية، سبَّبَت لي العرج في ساقي عدة أشهر!

    تخطينا تلك السنة بنجاح هذه المرة، والعلامة ذاتها 4/40 في اللغة الفرنسية، الأمر الذي جعلني أشعر بأنني حققت إنجازًا، ولا تستنكروا ذلك، سنة كاملة لم ندرس فيها كلمة واحدة، والمستوى لا يتراجع، ما شاء الله حولنا من مبدعين!
    توقعنا أن يتغير الحال في المرحلة الثانوية، لتكون انطلاقة جديدة لنا، ومعلومات نكتسبها في هذه المادة، ولكنْ... اليوم الأول، الحصة الأولى، دخلت معلمة الصف وانطلقت تتكلم باللغة الفرنسية بسرعة خيالية، لم تعرِّفنا بنفسها ولم تسأل من نكون نحن، رغم أننا ابتدأنا ونحن 6 طلاب في الصف! وخلال الحصة وعلى مراحل متفرقة، دخل ثلاثة طلاب آخرين الصف، فلم تهتم بهم! فرجع بنا الحال إلى الأدعية التقليدية: (يا رب، تخلص الحصة، يا رب يرن الجرس، يا رب تنسى المعلمة الفرنسي وتسكت)!

    تنفسنا الصعداء إذ رُنَّ الجرس، ولكن الناظر دخل قائلًا للمعلمة بحماسة: (Demoiselle، الحصة الثانية هنا)، واستدار ليكلمنا قائلًا (الحصة التالية، عندكم فرنسي)! فهتف به أحد رفاقنا متهكمًا (وما الذي كنا نأخذه في الحصة الأولى؟ إيطالي)؟
    لم تنفع الاعتراضات شيئًا، بل رَدَّ الناظر بضيق شديد: (الحصة الأولى فرنسي، والحصة الثانية فرنسي، هل تلزمك معجزة كي تفهمها)؟!

    وهكذا عاد العذاب! بل استمرَّ العذاب! فالمعلمة لم تتوقف عن انطلاقتها الفرنسية وكأننا نحن من سيضع لها العلامات والدرجات، ثم، وفجأة، حصلت معجزة غريبة لم يتوقعها أحدنا، تمهلت المعلمة قليلًا في كلامها، ثم قالت: teste.. يعني "نَصْ"!
    انطلقت زميلة أو اثنتان تزغردان لهذه المعلومة، وأحد رفاقنا الشباب يُكَبِّر لأنها (معجزة، معجزة يا جماعة)، وأنا أقول للمعلمة بأسلوب جاد، رغم السخرية في أعماقي (يسلمو، هذه هي الكلمة الوحيدة التي لم نفهمها حتى الآن، شكرًا على تفسيركِ لنا إياها)! فتجاهلت المعلمة الزغاريد والتكبير، وطلبت إليَّ أن أغادر الصف!

    وطبعًا كان طلبها باللغة الفرنسية، ولم أفهم منه سوى كلمة Dehore التي أعلم؛ وفق خبرتي العتيدة في اللغة الفرنسية، أقصد وفق خبرتي العتيدة في الطرد من حصص اللغة الفرنسية، أنها تعني
    كلمة (الخارج)، وبالتالي إن المعلمة تطلب مني ترك الصف، فهتفتُ بها مجددًا متجاهلًا ما تقول بادئ الأمر (وااااو!! بجد؟! teste يعني نَصَ؟! "يكثر خيرك"! هذه الكلمة الوحيدة التي لم نفهمها)!
    وخرجتُ من الصف، وهي تكرر كلمتها، وأغلقتُ الباب خلفي، لأرتطم بشخص ما بعنف، وقبل أن أعاتبه، انتبهتُ إليه من يكون، إنه المدير! ترى، ماذا سأفعل الآن؟ من المؤكد أنه سيسألني عن سبب خروجي من الصف!

    ولكن المدير خَيَّبَ توقعاتي كلها، ونظر إليَّ متمتمًا بارتباك: (الإسهال يا رجل! يخرب بيته! الإسهال يا رجل! الإسهال هلكني يا...)! وانتبه المدير إلى نفسه، وأن الواقف أمامه تلميذ لا أستاذ، وبدا الضيق واضحًا في ملامحه، وهَمَّ بالكلام، فسبقتُه قائلًا (يا رجل، الإسهال يا رجــ...، يا أستاذ، يخرب بيته صحيح)! وانطلقتُ من أمامه، لأنجو من السؤال والجواب، ولماذا أنا خارج الصف، ولستُ بداخله!

    وفي إحدى الحصص اللاحقة، طلبَتِ المعلمة من صديقين لي، أن يقوما إلى اللوح، ليكتب الأول verbe etre والثاني verbe avoir، فحفظ الثاني كرامته ووقف لا يكتب شيئًا، بينما كتب الأول بشكل جعلني أدرك أنه يتميز بضحالة شديدة في اللغة الفرنسية:
    je etre
    tu etre
    il etre
    elle etre
    nous etre
    vous etre
    ils etre
    ells etre

    وهنا أشارت المعلمة إليَّ أنا، تتكلم بانفعال شديد، باللغة الفرنسية طبعًا، وأنا لا أعي حرفًا واحدًا مما تقول بادئ الأمر، ثم فهمتُ منها كلمة etre وكلمة avoir...
    ترى، هل تعاتبني المعلمة لأن رفاقي يكتبون خطأ، أو لا يعرفون كيف يصرفون الأفعال؟! مسألة غريبة فعلًا! صحيح أنني (مهم جدًا)، لكن ليس إلى درجة تحمل أخطاء الآخرين!

    تابعوا معنا
    فالحكاية تكاد تنتهي


  21. #20


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: حكايتي مع اللغة الفرنسية بقلمي أ. عمر

    الحلقة العاشرة: تلك هي حكايتنا


    أخذت المعلمة تتكلم باللغة الفرنسية وبانفعال، ولولا أن تطوعت إحدى الزميلات بالترجمة لما فهمتُ أن المعلمة تريد مني مساعدة رفيقيَّ، ولظننتُها توجِّه إليَّ اللوم لسبب ما!
    ولكن، كيف أساعدهما وبماذا؟ أنا أعرف بوجود ال verbe وال sujet كمصطلحين دالين على الفعل والفاعل، لكن لا أعرف أي منهما الفعل وأي منهما الفاعل، بل كنت أعرف بوجود مصطلح ال c.o.d كمرادف للمفعول به، وإن كنت لا أعلم مغزى اختصار هذه الأحرف، بل كنت أعرف _ لا تحسدوني_ بوجود ال c.o.ind والله أعلم ماذا يكون!

    توجهتُ إلى اللوح طالبًا من رفيقي الذي يصرِّف فعل etre أن ينتبه إلى (الشرح) جيدًا، فأولى أخطائه أمامنا je etre وال e من أحرف ال voyelle ولا يلتقي حرفا voyelle خلف بعضهما، وبالتالي نحذف الحرف الأول ونضع بدلًا منه الأبوستروف، ليصبح الفعل: j etre (لا أعلم تقنية كتابة الأبوستروف لأضعها هنا)!
    وأخبرتُ رفيقي وعلمته أن كل كلمة بعد ال tu مهما كانت، يجب أن نضع لها حرف ال s في آخرها، وبالتالي نكتب: tu etres وأخبرتُه بأن تصريفه: il etre صحيح، بينما الكلمة بعد ال elle تحتاج e ويعادلها تاء التأنيث في اللغة العربية: elle etree.
    كنتُ أشعر بالسعادة لما أفعله، خاصة أن المعلمة كانت تتمتم بين لحظة وأخرى: (برافو عمر، برافو)، ثم طلبت إليَّ تصريف verbe avoir au passe composse لرفيقي الثاني، ولم أتردد لحظة في (الشرح) لرفيقي، كتبتُ له: j avoir (كون ال e وال a من أحرف الفويال ولا يجوز اجتماعهما، وإذًا نحذف الحرف الأول)!

    ولكن المعلمة تريد التصريف au passe composse وهذا ما لم أسمع به في حياتي كلها، لكن لكل مشكلة حل، وبالتالي التصريف الكامل:
    j avoir au passe composse
    tu avoirs au passe composse (لاحظوا ال s بعد ال tu)
    il avoir au passe compose
    elle avoire au passe compose (لاحظوا ال e بديلة تاء التأنيث بعد ال elle)

    وتابعتُ التصريف هكذا، وما إن انتبهت المعلمة حتى أخذت تصرخ وتولول ثم طردتني من الصف! يبدو أنها لم تحتمل (إبداعاتي) وقالت لنفسها (يا أنا يا هو في الصف)!

    وفي إحدى المرات، جلس هذان الرفيقان يكتبان بحماسة، الأمر الذي أسعد المعلمة وأدهشها، هي تتكلم وهما يكتبان! كانا يهربان من حصصها، ونادرًا ما تراهما، وإن لم يهربا، ناما في الصف، أما الآن فهما يكتبان بنشاط تام، ولكن لم تكتمل السعادة، إذ هَبَّ أحدهما من مقعده صارخًا مثل الوحوش: (أليس الصرصور بحيوان)؟ وبعد أن تمالكت المعلمة نفسها صاحت مستنكرة: (Quoi)؟ ليقول لها رفيقنا (لم أسألكِ إن كان الصرصور "كوا" أم أنه ليس "كوا"، بل سألتكِ هل هو حيوان أم لا)! فلقد كان الصديقان يلعبان معًا لعبة (إنسان، حيوان، شيء)... ووقع اختيارهما على حرف الصاد، وكما استنكر الأول اعتراض الثاني على اختياره الــ (صرصور) في خانة الحيوان، استنكر الثاني كذلك اعتراض الأول على اختياره ال (صبيدن)، وهو نوع من المخلوقات البحرية، وهكذا طردتهما المعلمة معًا، ولكن الطرافة ليست في لعب الصديقين والمعلمة تظن أنهما يتابعان كلامها، بل في أنها بدأت تخطئ فيما بيني وبين أحدهما، واسمه محمد، فأخبرت أبي _ وهو أستاذ في الثانوية نفسها _ بأنه لا يوجد أحد ينتبه إليها سوى محمد، بينما عمر نال ناقص خمس علامات وتم طرده من الصف بسبب اللهو خلال الدرس، ولم يعد يستطيع أحد أن يفهمها بأنه لا علاقة لي بما حصل، وهكذا لعب رفيقي، ونلتُ أنا ناقص خمس علامات!
    ومرة غاب اثنان من الشباب، وحضرتُ أنا ومحمد، فطلب الناظر أن نجلس بجوار بعضنا، وفي حصة اللغة الفرنسية خطر في بال محمد أن يأكل البزورات (بزر وعبيد وفستق وكاجو)... وأنا أصغي بكل اهتمام إلى المعلمة وما تتفضل به، محاولًا أن أفهم شيئًا مما تقول، غير منتبه إلى ما يفعله محمد، وإذ بالمعلمة تسألني سؤالًا غريبًا (Omar, Qu'est-ce qu'il y a dans ta bouche)؟
    فأجبتُها متعجبًا: (أسناني ولساني طبعًا)، غير أني رأيتُها تنظر إليَّ بنظرات مستنكرة، ففتحتُ لها فمي عن آخره حتى تتأكد!
    ولم يمضِ دقائق قليلة إلا وحضرتها تأتي مرة أخرى مكررة سؤالها، فأجبتُها متهكمًا: (أسناني ولساني طبعًا، بل إنني أحضرتُ زلاعيمي "بلعومي" كذلك معي من بيتي اليوم)! وفتحتُ فمي عن آخره حتى تتأكد، فطلبَتْ إليَّ أن أخرج من الصف!
    وحينما التقتِ المعلمة بوالدي أخبرتُه بأنني كنت آكل في الصف! وحينما سألتني لماذا آكل فتح محمد فمه و(مدَّ لسانه)!! فقامَت بإخراج محمدٍ من الصف وحذفت لعمر خمس علامات!
    وكما في مرة سابقة ومرات لاحقة لم يستطع أحد أن يفهمها بأنني عمر، إذ أصرت على أنني محمد حتى آخر السنة، ونالني بسبب ذلك خصم فادح في علاماتي، للأسف الشديد.

    غير أن الصف اللاحق في المرحلة الثانوية شهد تطورًا في معارفنا، فالأستاذ كان يشرح كل شيء من دون استثناء، وذلك من بعد ما أدرك ضعفنا الشديد في المادة، لكنه كان بخيلًا بالعلامات، ولديه مبدأ راسخ بأن (جان جاك روسو شخصيًا لو خرج من قبره وأتى إلى الصف، لن ينال علامة مرتفعة)، ما دفعنا إلى إهمال المادة نهائيًا بسبب ذلك.

    ومن الحصة الأولى فهم الأستاذ الكابوس الذي ينتظره معنا! إذ إنه أخذ (يذكِّرنا) وفق تعبيره بالمبادئ الأساسية، ونحن 14 طالبًا نقابله بنظرات جامدة لا نعي ما يقول، وكل ما ذكر لنا مصطلحًا ما على أننا أخذناه من قبل، نسأله (من هذا)؟! إلا حينما كتب لنا على اللوح مصطلح ال c.o.d وربما كنت الوحيد في الصف الذي يعرفه ويدرك معناه، ولكن صديقًا لنا هتف متعجبًا:
    (يا أستاذ، الله وكيلك، من شوية خرجت معلمة الكيمياء من الصف)! وانفجر الأستاذ يصرخ ليخبرنا بأن هذه الأحرف تعني (complement d objet direct) وهنا رجع السؤال التقليدي (من هذا)؟ وبعد لحظات من جمود الصاعقة أخبرنا الأستاذ بأن (هذا) يعني (المفعول به)، ثم أخذ (يذكرنا) بال c.o.ind لنسأله مجددًا (من هذا)؟ وينفجر بنا صارخًا:
    (complement d objet indirect) لنهتف به مجددًا (تشرفنا، لكن من هذا)؟ وقبل أن يجيبنا أسرعتُ أنا أجيب بدلًا منه: (من المؤكد أن هذا هو المفعول معه)! ولا داعي لإخباركم بأن الأستاذ قد انفجر كالمفرقعات النارية بعدها!!

    وكان من الطبيعي، بعد ذلك، أن تكون علامتي في شهادة الثانوي الثاني، هي 4/40، الأمر الذي أدهشني فعلًا، كيف يبقى مستواي ثابتًا رغم كل الخرافات التي ندرسها في اللغة الفرنسية عبر السنوات المتتالية!

    لكني أحببتُ التوقف مع مواقف طريفة حصلت لنا بحصص أستاذ اللغة الفرنسية هذا، وأولى هذه المواقف تمثلت حينما علمتُ أن رفيقي لديه جزء ثان من لغز كنتُ قد قرأتُه من قبل، كنا أيامها قد أغرمنا بألغاز المغامرين الخمسة، وقرأنا عددًا منها، ومن ضمن ما قرأنا لغز (كلب البحر) ولم أستطع الحصول على تتمة أحداثه، وها هو محمد يخبرني بأن اللغز في بيتهم، لكن حماستي قد خَبَت حينما تابع محمد بأن اللغز لأخيه، والأخير لا يعير أحدًا شيئًا على الإطلاق.
    و(بشهامة) حقيقية تعهد محمد بحفظ أحداث اللغز ليرويها لي اليوم التالي، وما كاد محمد يدخل المدرسة اليوم التالي حتى أسرعت إليه مطالبًا بتنفيذ الوعد، فأجابني بأنه لن يروي اللغز إلا في حصة اللغة الفرنسية! وهل هو لغز مترجم يا عزيزي، وأنا لا أعلم؟! لم يرض محمد بالرجوع عن قراره، وجلس بجواري في حصة اللغة الفرنسية يروي لي أحداث اللغز بصوت منخفض، ثم تحمس وارتفع صوته، وأخذ يشير بيديه مع تطور الأحداث، فتوقف الأستاذ عن الشرح، وأخذ ينظر إليه دهشًا، ومحمد لا يشعر، وارتفع صوت الضحك في الصف، والكل أخذ ينظر إلى محمد المتحمس، والأخير ما زال لا يشعر بشيء، بل إن ضربي إياه برفق بمرفقي، فسَّره محمد بأنني لم أستوعب ما يقول، فرفع صوته أكثر، ليخبرني بحقيقة رهيبة (ستافرو سجن تختخ في المتحف المهجور)! ليصرخ الأستاذ في جنون: (ماذا أصابك يا محماااااااد؟! هل تحكي له سيرة عنتراااااا بن شدااااااااا)!! ضج تلاميذ الصف بالضحك، وأنا معهم هذه المرة، فغضب محمد مني ولم يرض بأن يتابع حكاية أحداث اللغز لي فيما بعد على الإطلاق!
    ومرة كان لدينا حصتان متتاليتان بعد وقت الاستراحة، وبقيتُ مع رفيق آخر في الملعب، حتى مر حوالي نصف ساعة، وقت مرور الناظر للاطمئنان إلى أنه لا يوجد أحد في الملعب (هكذا قال رفيقي، فهو خبير في الفرار من الحصص، بخلافي أنا)، فاتجهنا من تلقاء أنفسنا نحو غرفة الناظر، ولقد بوغت الأخير برؤيتنا، فهتف مذهولًا (ما...ماذا تفعلان هنا)؟!
    أجابه رفيقي بثقة تامة: (نحن لم نصعد إلى الصف، عمر يؤلمه بطنه كثيرًا، وقد بقيتُ معه، لم يطاوعني قلبي على تركه بمفرده)!
    أحسستُ بأن الناظر يريد أن يسألني، ولم أشأ الكذب، فسبقته بالقول، وبحماسة: (هل عندكم شاي؟ اسمع، قل لهم إنني أشربه من دون سكر نهائيًا، وبكوب من الزجاج الشفاف)!
    وانفجر الناظر يصرخ: (هل تظن نفسك جالسًا في القهوة)؟!
    ردَّ سامح باستنكار: (كيف يظن نفسه جالسًا وهو واقف)؟
    وتابعتُ أنا باستنكار أشد: (ثم إنني طلبتُ شايًا لا قهوة)!
    صاح الناظر بكلمات غريبة عجيبة، ثم طلب إلينا الصعود إلى الصف، وبأقصى سرعة، فصعدنا؛ لكن متمهلين؛ لندخل الصف بكل بساطة، فصرخ بنا الأستاذ: (أين كنتما)؟ ليجيبه رفيقي بثقة: (كان بطنه يؤلمه، وقد بقيتُ معه، لم يطاوعه قلبه، بل لم يطاوعني قلبه، بل لم يطاوعني قلبي على تركي، على تركه، وحدي، وحده)!
    طلب الأستاذ إلينا مغادرة الصف للكلام مع الناظر، فأخبرتُه بأن الناظر طلب إلينا الصعود إلى الصف و(بأقصى سرعة)، وأخذ الأستاذ يصيح كعادته حينما ينفعل: (Mon Ami Mon Ami)، ثم أخذ يَسُبُّ الناظر المسكين!

    ومرة أخرى كان لدينا حصتان متتاليتان، وبعدهما مسابقة في الرياضيات، فجلس محمد بجواري، أشرح له ما استغلق عليه فهمه، وبعدما انتهينا، ومرَّ بعض الوقت، سألنا أستاذ اللغة الفرنسية ماذا نفعل، فأجبتُه في لامبالاة إننا نكتب ما يقول، ولم يصدق، بل أتى ينظر في دفاترنا، لتملأه الحيرة، وهو يرى بأننا كتبنا قسمًا كبيرًا مما يقوله فعلًا!
    تابعتُ بعدها الشرح لمحمد، وأعطيته تمرينًا ليحلَّه لأتأكد من استيعابه القاعدة، وبعدما انتهينا، ومرَّ بعض الوقت، سألنا أستاذ اللغة الفرنسية ماذا نفعل، فأجبتُه في لامبالاة إننا نكتب ما يقول، ولم يصدق، بل أتى ينظر في دفاترنا، لتملأه الحيرة، وهو يرى بأننا كتبنا قسمًا كبيرًا مما يقوله فعلًا! ثم تفتق ذهن الأستاذ عن فكرة ذكية، فأخذ يقلب في صفحات دفاترنا! وكان دفتري ذلك للغة الفرنسية، أما محمد فكان دفتره شاملًا كل شيء، بدءًا من نشرات الأخبار، إلى تقارير مفصلة عن مباريات كرة القدم المحلية والعالمية ونتائجها، والهدافين في كل فريق ومنتخب، فطلب إلينا الأستاذ الخروج من الصف، ليهتف به رفيقنا الثالث مستنكرًا: (وحدهما)؟؟ فطلب إليه الناظر مرافقتنا إن أحب ذلك، وقد كان يحب ذلك فعلًا، فخرج معنا!
    وحصل لنا في مكتب المدير موقف طريف ربما نفصله في حكاية اللوح والطبشور والتابوت لاحقًا، أما الآن فأكتفي بالقول إننا كدنا نتفطر من الضحك، ولم نعرف كيف انتهى ما تبقى من الحصتين، ونحن لم ننتهِ من الضحك بعد!
    وآخر المواقف الطريفة مع هذا الأستاذ حينما تغيب مرة، ثم أخبرنا بأنه سيعوض لنا الحصة التي (راحت علينا) بساعتين كاملتين نهار الجمعة! أي أنه سيعوض 50 دقيقة ب 120! وأخبرنا، قبل أن نعترض، بأنه أخذ موافقة المدير، وأنه سيأتي باكرًا ليدرِّسنا الساعتين ويمضي إلى منطقته البعيدة، ونذهب نحن لنفعل ما نريد استعدادًا لصلاة الجمعة بعد ذلك بأكثر من ساعتين! (الأستاذ كان مسيحيًا، لكنه كان يعلم أن صلاة الجمعة من الشعائر المقدسة لدينا، وأننا نغتسل ونقرأ سورة الكهف يوم الجمعة).
    في تلك الأيام كان والدي متغيبًا بسبب المرض (والدي أستاذ في الثانوية نفسها) لكنه علم أن أستاذ اللغة الفرنسية يريد تدريسنا يوم الجمعة، وطلب إليَّ أن أنزل إلى الثانوية لأحضر الدروس، وقد فعلت، ولكني التقيتُ على باب الثانوية بصديقنا الثالث (الذي بقي معي لأن بطني يؤلمني)، وللتوضيح كنا أربعة شباب آنذاك (كل صفوف المرحلة الثانوية يكون عدد الصبيان في صفنا أربعة)، واثنان منهما غائبان، واحد يريد ترك المدرسة، والآخر (محمد) لا يستطيع الحضور كونه من منطقة بعيدة هو الآخر، وسألني صديقي الذي التقى بي إن كنت أريد حضور الدرس، فأجبته بالإيجاب.
    وهكذا صعدنا إلى الصف، ودققنا الباب، فتحت لنا إحدى الزميلات، ليطلَّ صديقي برأسه ينظر إلى الأستاذ بابتسامة متهكمة، ويشير إليه بيديه مودعًا، ثم يغلق الباب! ودوَّى صراخ الأستاذ المستنكر (Mon Ami Mon Ami)، وارتفعت صوت أقدامه، لأجد نفسي أجري على الدرج بسرعة خيالية وقد نسيت الدرس بما فيه، ولحقتُ بصديقي فأمسكتُ به من عنقه معاتبًا على فعلته، فأخذ يبرر لي بأننا لن نستفيد شيئًا، ومهما انتبهنا فإننا لن ننال العلامات، (لأن جان جاك روسو شخصيًا لو خرج من المقبرة وأتى إلى الصف لن ينالها)!
    تنزهت مع صديقي حوالي ساعتين وأكثر، ثم رجعت إلى البيت كأن شيئًا لم يكن، ومساء طلبت إلي الوالدة أن أذهب لأحضر بعض الأغراض، وما كدتُ أفتح الباب حتى فوجئتُ بِيَدٍ يَهُمُّ صاحبها بأن يدق الباب، جمدنا إذ نحدق ببعضنا، لقد كان أستاذ اللغة الفرنسية!
    اضطررتُ إلى إدخاله البيت، وأتى والدي لاستقباله طالبًا إليَّ أن أجهز الشاي لأستاذي (كان الأستاذ يحب الشاي كثيرًا)، حضرتُ الشاي وأنا لا أعلم ماذا سأفعل حينما يشكوني الأستاذ، وبالفعل، ما كدتُ أضع كباية الشاي أمامه، حتى قال بصوت مرتفع، مخاطبًا أبي: (ابنك لم ينزل اليوم إلى الثانوية)!
    اتسعت عينا والدي استنكارًا، وأراد أن يقول شيئًا ما، ولكنه فوجئ بالأستاذ يتابع: (ابنك نزل اليوم إلى الثانوية)! تبلبلت أفكار والدي، فاستطرد الأستاذ بثقة: (لكنه لم يصعد إلى الصف)!
    أراد أبي أن يتكلم، ربما ليعاتبني، ولكن الأستاذ تابع: (ابنك صعد إلى الصف)! فنظر إليه والدي بدهشة عميقة، ولم ينتبه الأستاذ، وهو يكمل: (لكنه لم يدخل الصف)!
    حاول أبي أن يستفهم من الأستاذ ما حصل فعلًا، ولكن الأخير لم يمنحه الفرصة، بل استطرد: (ابنك دخل الصف، ولكنه...) قاطعه أبي في ضجر شديد: (ولكنه قفز من النافذة إلى الملعب، أليس كذلك)؟!
    ارتفع صوتي بالضحك الشامت هنا، فيما انفجر الأستاذ يصرخ بغضب: (افهمني، افهمني يا أستاذ، اسأل ابنك لماذا لم ينزل اليوم إلى الثانوية، اسأله لماذا نزل إلى الثانوية ولم يصعد إلى الصف، اسأله لماذا صعد إلى الصف ولم يدخل الصف، اسأله لماذا دخل الصف، و...) قاطعه أبي مرة أخرى متظاهرًا بالحماسة والتفاعل مع هذه الشكوى العجيبة: (نعم نعم، سأسأله لماذا دخل الصف وقفز من النافذة إلى الملعب، هل هذا جيد)؟ وفوجئنا بالأستاذ يرد بهدوء مفاجئ: (نعم، نعم، جيد، جيد)! ولم أستطع الاحتمال أكثر، خرجتُ وأنا أضحك بأعلى صوتي، بل ربما ظللتُ أضحك وأنا ذاهب في طريقي لشراء ما تريده والدتي، وفي طريق الرجوع كذلك!

    وفي آخر صفوف المرحلة الثانوية لم يكن لدينا مادة لغة فرنسية، ولكن مادة علم النفس كانت باللغة الفرنسية، فلم نفهم شيئًا منها، لكننا لم نهتم كثيرًا، بل كان هدفنا الشهادة الرسمية فحسب، والحمد لله أننا نجحنا بها، وإن كنتُ قد نلتُ 18/60، وكان يجب أن أنال ضعفها على الأقل لولا مراقب أحمق، سأتناول قصته بالتفصيل في حكايتي: اللوح والطبشور والتابوت، بإذن الله تعالى.

    في دار المعلمين والمعلمات، واختصاصنا لغة عربية، كان يتوجب علينا الحضور في الصفوف لنقدِّم تقاريرنا حول الإيجابيات والسلبيات التي نراها، في محاولة لتطوير مهاراتنا قبل التعيين الرسمي كأساتذة، وذات يوم دخلنا صفًا لنشاهد، وفي الواقع كانا صفين في غرفة واحدة، تفصل بينهما ستارة، وللحظ التعيس كان للصف الآخر حصة لغة فرنسية، والمعلمة تصرخ كل لحظة وأخرى: (لا..لا...)، والتلاميذ يرددون الهتاف خلفها، فسألتُ صديقًا لي بدهشة (هل هناك "لا" في اللغة الفرنسية؟ وما معناها)؟ فنظر إليَّ كأنه لا يصدق، ثم همس لي متضايقًا (هل تمزح معي؟ "لا" معناها الحليب)!
    (لا) تعني (الحليب)!! ما هذا الهراء يا رجل؟! همستُ له بدوري متضايقًا (هل تمزح معي)؟ فأجاب مؤكدًا بأنه لا يمزح، وبأن الكلمة تُكتَب (lait) وهنا ارتفع صوت المعلمة تصرخ بكلمة أخرى، وهي كلمة (موتان: moutan) ليسألني رفيقي هذه المرة (هل تعرف معنى الكلمة)؟ فأجبتُه بثقة تامة (نعم، أكيد معناها جبنة)! والحمد لله أنه لم يقع مصابًا بالسكتة القلبية!

    كان اختصاصنا لغة عربية، ولكن من سنوات، تم تكليفي تدريس مادة الرياضيات باللغة الفرنسية لأحد صفوف الصغار، هكذا من منتصف السنة، وهذه مشكلة حقيقية، أنا لا أكاد أستوعب نص السؤال حتى أشرحه للتلميذات، فاعتمدتُ على تلميذة مدهشة متفوقة في المادة لتقف أمام اللوح تشرح لرفيقاتها، وأنا أصغي إليها بانتباه تام، مستوعبًا ما تقول، لأخرج وأشرحه في الشعبة الأخرى!

    وذات يوم، سألتني طفلة ماذا تعني كلمة (فوازي)؟ وأخذت أفكر (voiture) تعني (سيارة)، ولكن (فوازي)؟ هل هي دراجة؟ وإن كانت كذلك، فهل تكون دراجة هوائية أم نارية؟ شعرتُ بأنني وقعتُ في موقف محرج فعلًا، فنظرتُ إليها معاتبًا، وأنا أقول: (ولو! صبية مثلكِ صار طولها شبرًا ونصف، لا شبرًا واحدًا، لا تعرف معنى فوازي)؟
    تفطر قلبي مع بكائها، والمسكينة تؤكد ببراءتها الطفولية أنها لن تعيدها! وهنا شعرتُ بالمعجزة تتحقق حينما تحمست طفلة أخرى للإجابة، وأخبرَت رفيقتها بأن الكلمة (فوا إيسِّي): (voi ici) ومعناها (انظر هنا)، أي شعور بالامتنان حملتُه لتلك الطفلة!

    هنا تنتهي حكايتنا، أرجو أن تكون قد راقت لكم، دمتم في حفظ الله تعالى ورعايته
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    التعديل الأخير تم بواسطة أ. عمر ; 23-11-2017 الساعة 10:13 PM

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...