الحلقة الثانية: أسماؤنا الجديدة

تصوروا أن الأستاذ كان يناديني أنا! ولكن أي اسم هذا؟! نظرتُ إلى الأستاذ هاتفًا باستنكار: (هل كنتَ تناديني أنا)؟! رد الأستاذ مغتاظًا: (وما رأيك أنت)؟ أجبته بلهجة الاستنكار نفسها: (هذا ليس اسمي، بل إنني لم أسمع بهذا الاسم من قبل...) قاطع الأستاذ كلامي معترضًا: (ومن يكون؛ إذًا؛....)؟
أعتذر، لم أجد حرف (الغين) باللغة الفرنسية أطبعه لكم، ولا حرفًا بين (الكاف) و(القاف)، إضافة إلى صعوبة نطق لفظ على غرار (كيوغاييفا) على سبيل المثال!
ولكن لفظ الاسم بهذه الطريقة الدولية لم يكن المصيبة، بل إن المصيبة الفعلية أن الأستاذ ألقى عليَّ سؤالًا ما، حول ما قرأه علينا منذ قليل، وأنا لم أفهم؛ لا القراءة ولا السؤال! فأخذتُ أنظر إليه بِحَيرة، وهو يردد سؤاله بغباء تام، حتى أدرك (أخيرًا) أنه لا فائدة، فانطلق يَسُبُّ ويشتم، ويلعن الغباء وقلة الفهم! ثم أعلن أنه سيسأل تلميذًا آخر (ذكيًا)، ولكنه رحمنا؛ هذه المرة؛ من محاولاته لفظ أسمائنا، بل أخذ يشير إلى كل واحد ويعيد سؤاله، ليقابَل بِرَدَّة فعل واحدة، وهي نظرة خاوية غبية تَدلُّ على عدم الفهم، والأستاذ يَسبُّنا جميعًا!
ويبدو أن الرحمة قد هبطت على رأس الأستاذ فجأة، إذ إنه ابتسم قائلًا بهدوء إنه سـ(يتفضل) علينا (هذه المرة فقط) بإعادة القراءة مرة أخرى، ومن بعدها سيطرح علينا الأسئلة، ومن لا يجيب سينال صفرًا، وهكذا انطلق الأستاذ مرة أخرى في قراءته المنكرة هذه، والأحرف تتداخل ببعضها، مع لدغاته العجيبة وحروفه التي لم نسمع بها من قبل، ثم أشار إليَّ طارحًا سؤالًا ما، ولم أقابله هذه المرة بأي نظرة خاوية، بل أجبتُ بمنتهى (الحماسة) و(الذكاء) إجابة صحيحة تمامًا، وهي؛ وبكل بساطة؛ (لا أعرف شيئًا)!
وبِغَضِّ النظر عن (الانفجار) الرهيب الذي تجلى في صراخ الأستاذ بما لا يُفهَم من السباب هذه المرة، إلا أنني لم أتأثر، بل أدركتُ مدى صحة ودقة إجابتي بعد ذلك بقليل، وأدهشني ذلك، إذ إني لم أكن أعلم أنني (قدوة) إلى هذا الحد! كل رفاقي أعادوا وكرروا إجابتي هذه بحرفيتها، من دون أدنى تغيير فيها، والأستاذ؛ كعادته؛ يسب ويلعن غباءنا، ويسبنا ويلعننا قبل غبائنا!

وهكذا اجتمعتِ الطامتان فوق رأسنا، اللغة الفرنسية، والعلوم باللغة الفرنسية، وتدنَّتِ العلامات كثيرًا، ورسب عدد منا لم يكن يرسب من قبل، أما أنا فنجحت، ولكن على علامة ونصف فقط، وكان مجموعي في الصفوف السابقة جيدًا جدًا على الدوام!
واشتكى هؤلاء الراسبون إلى المدير، وأخبروه كل شيء بالتفصيل، خاصة أن الأستاذ يطلب كل يوم أن يرى ال devoir ونحن لا نعلم أي devoir هذا! وتكون النتيجة أنه يمنحنا صفرًا على العمل في الصف، ووعد المدير رفاقنا خيرًا، وأنه سيحلُّ المسألة في اليوم ذاته، وهكذا؛ وفي حصة اللغة الفرنسية أتى المدير، أتى ليحلَّ المشكلة، وكان حلُّه عبقريًا فعلًا!
وهل هناك حل عبقري أكثر وأروع من أن المدير قد أخبرنا بأننا لا نقدِّر هذا الأستاذ الذي يُجدِّد لنا في طرائق تدريس اللغة الفرنسية، وأن علينا أن ننتبه إلى ما يقول، وندرس الدروس في الكتاب جيدًا، ونكتب كل الوظائف المنزلية، وسننجح حتمًا! ولم نفهم مع من كان رفاقنا يتكلمون بالفعل؟ لقد احتقنت وجوههم ، وهم يشرحون للمدير أنه لا يوجد كتاب ولا ما يحزنون! ثم من أين أتت هذه الوظائف المنزلية؟! نسمع الأستاذ يسأل كل يوم حينما (يتحفنا) بدخوله الصف عن الــ
(Devoir)، ولكن أي (Devoir) وهو لا يكتب لنا شيئًا نهائيًا، ولا يسمح لأحد أن يحاول أن يكتب مما يقوله شيئًا! (هذا إن تمكن أحد أساسًا من كتابة كلمة واحدة صحيحة من خلف هذا الأستاذ الذي يلدغ بعشرين حرفًا)!
وما أثار استنكاري بعد ذلك، أن دخل الأستاذ _ربما بعد يومين أو ثلاثة_ الصف، متسائلًا من يكون (عمر قزيحة)، وطبعًا نطقها بلهجته العالمية التي ذكرناها لكم من قبل، وما كدت أرد، حتى أخذ يشتمني، وأنا في حَيرَة من أمري ومما يحصل!

تابعوا معنا